2015-10-10 

خالي شغل

عبد العزيز المحمد الذكير

تشغل ذهن كل متابع للحياة العصرية كلمات الوظيفة، البطالة، العمل. وأصبحت جزءاً من الاقتصاد العصري، ولها في البلدان الصناعية اتحادات ونقابات وجمعيات خيرية وأخرى علمية في الجامعات وكراسي بحث ومِنح دراسية ومفردات معجمية، ومصطلحات شعبية مثل؛ عطال بطال؛ و؛ خالي شغل؛ إلى آخر ما أدخلناه من لغة العصر. دعونا نتفق أن كلمة البطالة.. الكريهة والرهيبة إلى أبعد حد، لم تكن موجودة في قواميس البشر لولا وجود كلمة أخرى هي: الوظيفة، أو العمل أو الشغل.. وأكثر الناس يفضلها «المنصب». وفي الأضداد باللغة الإنجليزية نجد كلمة employment التي تعني التوظيف أو التشغيل تقابلها كلمة unemployment التي تعني البطالة. لنقل إن «الضيق» الذي نعاني منه، ويعاني منه غيرنا لم يأت إلينا إلا بعد «السعة» والفيض والوفرة والغنى والبحبوحة التي مررنا بها. اعتدنا عليها واعتبرنا ما دونها هو «بطالة». في ذهني صورة من واقع الحياة عندنا في القصيم - مثلاً -. ففي أوائل الخمسينيات من القرن الميلادي الماضي ترك البناء عمله ووجد الراحة في أن يعمل مراسلاً في مدرسة. وتركت «الروّاية» قِربها جانباً لتصبح فراشة في مدرسة بنات، بدلاً من حمل القرب من الآبار إلى المنازل، مترددة صيفاً وشتاء، حتى أصبحت مثلاً لا للتحمل فقط بل لبرودة مواقع مختلفة من جسمها..!! كذلك وجدنا الناس يستصعبون الحصول على من يتعهد بإحضار التمور إلى المنزل بعد جنيه بنفس اليوم (الخراف). وهرب عمال الفلاحة بمختلف سماتها ونماذجها إلى الظهران ليعملوا في «كنوب» أرامكو، والتي لم تكن على أية حال أقل مشقة من الحرث، لكن عائدها أجزل. أنا هنا لا أقول بالعودة إلى الحرف القديمة التي كانت مرهونة ببدائية المجتمع آنذاك، لكنني فقط أؤكد أن التوظيف كان الحاضن الحنون لما نعانيه الآن وما نتذمر من وجوده. البلد مليء بالأعمال.. لكننا لا نجيد بعضها ونستعلي على البعض الآخر. والوظائف - وبالأخص منها الحكومية - راحة بال، وبعضها لا يتطلب من شاغلها الإبداع أو حتى التفكير.. وما عليه سوى الحضور والتوقيع، ولو حاول إذكاء فكرة خلاقة أو تطوير، لاعتبره - ربما - رؤساؤه تدخلاً فيما لا يعنيه أو «لقافة» يستحق عليها عقاباً. وهذا أيضاً ضرع مدرار من ضروع البطالة

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه