في عصر بدا الجميع فيه يتعاطى مع الاعلام المعاصر، واقصد به الاعلام الراهن المعاش الذي يتعامل معه الناس كقائمين بالاتصال محترفين أو هواة ومتلقين ووسطاء ومتفاعلين ، وما تسبب به من انفجار اعلامي غير مسبوق ،وترتب عليه تغيير في المعايير الإعلامية، وانماط ونوعيات المتلقين، اضحى لزاماً الحديث عن الاخلاق في عصر الاعلام المعاصر، ولتكن المصارحة تبدأ في هذا الموضوع مع اخلاقيات المهنة الإعلامية نفسها .
فالتجاوزات الأخلاقية في العمل الإعلامي ليست حديثة عهد، لكنها ازدادت في الفترة الأخيرة، ويرجع السبب إلى التغييرات التي طرأت على المشهد السياسي في العالم، والتحديثات التقنية والابتكارات التكنولوجية التي دخلت صناعة الاعلام وجعلت من السهولة بمكان العبث بمحتوى وشكل الرسالة الإعلامية، سواء المطبوعة او المسموعة او المرئية او الالكترونية .
وتمثلت هذه المظاهر والتجاوزات في الخروج على المعايير المهنية وآداب الحوار وتشويه الحقائق وخداع الجمهور وبث الشائعات . ولم تستثن هذه التجاوزات وسيلة ما ، لذلك لا يُقصد بحديثنا وسيلة بعينها .
فعندما اشير الى الخروج على الآداب والأخلاق ، فما اعنيه أن الآداب علم يحترز به عن الخلل في كلام العرب لفظا وكتابة ، والأخلاق هي المروءات والعادات والسجايا الحميدة .
ولقد شهدت الفترة الأخيرة خروجا على الآداب العامة والاخلاق في حوارات وكتابات وتدوينات بعض الإعلاميين وصل بعضها إلى حد الإساءة والايحاءات الفجّة، فضلاً عن أسلوب التهكم و السخرية ، وخلط بعض المذيعين بين الجرأة كإقدام وشجاعة في معالجة مشاكل المجتمع وبين الخروج على الاخلاق والآداب .
ومثل هذا الشطط والاعوجاج لا يقوّمه غير مواثيق شرف مهني ملزمة وقوانين رادعة ، لكنها في الوقت نفسه لا تجني على الحريات السامية .
وعندما أنوه الى ممارسة الخداع الإعلامي، فإنني اقصد تمادي بعض القنوات الفضائية سيما الخاصة في خداع الجماهير، وفبركة مكالمات هاتفية من داخل مكاتبها ووهم المشاهدين بانها اتصالات حقيقية ، كما تقوم بعضها بعرض مقاطع فيديو قديمة على انها حديثة . وعمد الكثير من اعلاميي المواقع الالكترونية والمدونيين الى تركيب صور لتزييف الحقائق، مستخدمين التقنيات الحديثة وبرامج معالجة الصور مثل الفوتوشوب والرسم .
ولم تشذ الصحافة عن ممارسة الخداع فمارسته عن قصد خصوصاً الصحف اليومية والاسبوعية التي أصدرت في الدول التي شهدت ثورات ما يعرف بالربيع العربي . فاصبح القارئ يتابع اعلاما بمختلف الوسائل يشكك في بعضه البعض وسط مشهد عبثي فوضوي لم تعهده الصحافة العربية على مر التاريخ . مشهد ابعد ما يكون عن حرية الراي والتعبير واقرب ما يكون لخيانة الأوطان والإساءة الى الشعوب بما تحمله من تاريخ وخصال و اخلاق فاضلة .
وتكمن الخطورة في ان يقوم بأداء هذه الأدوار مذيعون ومذيعات حققوا نجومية إعلامية من خلال برامج الحوارات المباشرة "التوك شو" ، وصحفيون دخلاء على المهنة . تجد بعضهم يقدمون البرامج التلفزيونية وهم انفسهم ينشئون المواقع الالكترونية ويشرفون على أبواب ثابتة و يتولون مناصب في الصحف اليومية .
لقد وضعوا انفسهم في مواضع الشبهات بانهم يتقاضون أموال من عدة جهات لأداء ما يحدد لهم من أدوار مسبقا.
اما ممارسة التحريض فقد دأب عدد من الإعلاميين عبر برامجهم على شحن البسطاء والاميين ضد استقرار المجتمع، كأن اطلقوا على المشاغبين صفة الثوريين والابطال،وغدا كثير من هؤلاء البسطاء تعليما وفكرا ضحية للحشد والتحريض الإعلامي المضلل الذي طفا على السطح . وهو ما يعد اكبر مؤشر على خطورة غياب قوانين تقضي بعقوبات رادعة ومواثيق شرف تعمل على تنشيط الجانب الخيري لدى الإعلاميين .
ومن مظاهر التدهور الأخلاقي في عصر الاعلام المعاصر أيضا ممارسة الضغوط على الدول المستهدفة ،حيث أصبحت وظيفة أساسية وهدفا رئيسا من اهداف اطلاق القنوات الفضائية وإصدار المطبوعات الصحفية وانشاء المواقع الالكترونية .
وعادة ما تكون تلك الضغوط في شكل انتقادات موجهة بكثافة الى الدولة المستهدفة عبر اعداد برامج تضخم المظاهر السلبية وتبالغ في تصويرها .
وبقدر ما يكون التركيز على السلبيات يكون التعتيم على الإيجابيات .
ولإحداث التأثير السريع والقوي على الافراد تجلب المؤسسات الإعلامية الى برامجها الضيوف من كبار المحللين والخبراء المتفق معهم سلفا على مضمون ما يقولون، لاجل توجيه النقد الى النجاحات السياسية و المشاريع الاقتصادية في الدول المستهدفة ، بل يصل الامر أحيانا الى تشويه صورة المجتمع بأكمله.
ولقد دخلت شبكة الانترنيت على الخط بوصفها وسيلة إعلامية شكلت بيئة خصبة لبث الشائعات المغرضة وتداولها بسرعة. وتكمن خطورتها في صعوبة تحديد المسؤولية نظرا لصعوبة تحديد المصدر الذي انطلقت منه الاشاعة . فالشبكة بها الملايين من المواقع التي تشكل اعلاما مفتوحا يصعب الوقوف على جديته وتصنيف نوعيته .
وفي ظل هذه العبثية التي عاثت في المشهد الإعلامي الراهن يتوجب التشديد على المسؤولية الذاتية والمسؤولية الوطنية والأخلاقية لدى الإعلاميين المؤتمنين على استقرار المجتمعات ووعي الجماهير بصفتهم مشاعل للتنوير، والتمسك بمسؤولية احترام الراي والراي الاخر، بما لا يتيح فرصة المساس بالمعتقدات الدينية الإسلامية او التمييز بين أي فئات المجتمع ومؤسساته وافراده أو المساس بالهوية والوحدة الوطنية والمصلحة العامة للوطن ومكتسباته تحت أي ذريعة او عذر . والقبول بمبدأ حق الرد والتصحيح الموضوعي من الافراد و المؤسسات . ومبدأ المحاسبة و المساءلة عند الأخطاء والمخالفات والتجاوزات الثابتة وانعكاساتها السلبية وإمكانية احالتها للقضاء، وفقا لأحكام الدستور والقوانين والمواثيق الإعلامية المتعمدة
Sent from my iPad