بعض الأصدقاء والزملاء الفنانين وتحديداً الممثلين السوريين وبعض عشاق الدراما السورية والغيورين عليها، تداولوا خلال الأيام التي سبقت الشهر الفضيل عبر مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، هاشتاغ #أنا_مع_الدراما_السورية، موجهين عبر تعليقاتهم اتهامات لقنوات عربية بمحاربتها للدراما السورية، هذه الحرب التي بدأت بوادرها قبل ست سنوات أي منذ اندلاع الأزمة السورية وتطورت عاماً بعد عام لأن أصبحت جداول رمضان على الشاشات العربية شبه خالية من الدراما السورية، وأنا وغيري لا ننكر هذه الحقيقة، ولكنني شخصياً كنت أتوقع أن نصل إلى هذا اليوم "الحزين"، حتى قبل أن تبدأ الأزمة السورية بسنوات، لأن المشكلة هي في الدراما السورية وليست في أي شيء آخر، وهذا ليس دفاعاً عن الشاشات العربية على اختلافها، بل وضع النقاط على الحروف فيما يخص الدراما السورية التي لم ترق إلى يومنا هذا لأن تكون صناعة حقيقية.
بادئ ذي بدء، أنا مع الرأي الذي يدعو للسماح بإطلاق قنوات تلفزيونية خاصة، وهذا الأمر أيضاً ليس له علاقة بالدراما السورية، بل من حق سوريا وشعبها أن تكون له قنوات تلفزيونية حرة وغير موجهة، وألا تكون نسخة طبق الأصل عن التلفزيون السوري الرسمي، بل قنوات يعبر فيها الإنسان السوري عن رأيه بحرية، قنوات يكون لها تأثير حقيقي وتتعامل بمبدأ تحقيق نسب مشاهدة عالية لتضمن استمرارها، وهذه القنوات قد يكون لها دوراً ايجابياً في تقدم وتطور الدراما السورية التي حققت بدون أدنى شك مكانة متميزة لها على خارطة الدراما العربية وسبقت الكثيرين غيرها، ولكن هذه المكانة بدأت تتلاشى شيئاً فشيئاً لمصلحة الآخرين.
تاريخياً، حققت الدراما السورية منذ انطلاقتها بالأبيض والأسود مكانة مهمة، وتأرجحت هذه المكانة صعوداً وهبوطاً بين محاولات ناجحة وغيرها فاشلة، حتى بدأت بالرسوخ والثبات مطلع التسعينيات، وتحديداً بعد "مغامرة" مسلسل "نهاية رجل شجاع" المأخوذ عن رواية للأديب السوري الكبير حنا مينا ومن إخراج المتميز نجدت أنزور، وأقول "مغامرة" لأن هذا العمل ذو التكلفة الانتاجية العالية (مقارنة بأعمال تلك الفترة) حقق نجاحاً لم يكن منتظراً، وتتالت الأعمال وتتالت النجاحات، ولكن كل هذه النجاحات بقيت في خانة "التجريب" دون تحويل الدراما السورية الوليدة إلى صناعة حقيقية، فأصبح كل من هب ودب يريد أن يعمل في الدراما وأن يجرب حظه.
ولم تخط الدولة حينذاك خطوات هامة لتحمي الدراما السورية ولتحولها إلى صناعة حقيقية، بل تركت الأمر لشركات انتاجات محلية وعربية كانت تلهث وراء المحطات لبيع منتجاتها فائقة الجودة بأسعار عادية أو زهيدة، وفي حالات خاصة واستثنائية بأسعار جيدة، وهذا اللهاث وراء البيع جعل الكثيرين من المستثمرين الذين تشجعوا بداية لخوض غمار الانتاج للابتعاد عنه لصالح استثمارات أكثر أماناً وأعلى دخلاً، وبقيت مسألة الإنتاج الدراما كمسألة الدراما نفسها تدور في فلك التجريب، فالمغامرة غير محسومة النتائج، وقد يحقق أي مسلسل ربحاً أو قد لا يحقق، وهذا يعود لأهواء القنوات المشترية، التي قرر فيها شخصين أو ثلاثة على الأكثر إن كانوا سيشترون هذا العمل أم لا.
في رمضان 2010 على سبيل المثال قدمت الدراما السورية حوالي 50 مسلسلاً، عرض نصفها خلال السباق الرمضاني المحموم، وبعدها بسنتين وتحديداً في العام 2012 لم يكن عدد المسلسلات السورية المنتجة خلال العام كله يتجاوز الـ 25 عملاً، أي أن الدراما السورية هبطت إلى النصف، فيما بدأت تظهر الدراما العربية المشتركة التي بدأت تضم ممثلين من سوريا ولبنان ومصر ليضمن المنتج توزيع هذه الأعمال في أكثر من بلد عربي، فدولة مثل لبنان مثلاً فيها أكثر من 8 محطات تلفزيونية على الأقل إلى جانب شاشاتها الرسمية ومصر فيها أضعاف هذا العدد، وبالتالي هذين البلدين بالإضافة إلى دول الخليج تؤمن أسواقاً جيدة للدراما العربية المشتركة، ولكن هذه الدراما المشتركة أفقدت الدراما السورية أسرار جاذبيتها ونجاحها، وهذه الأسرار التي يمكننا اختصارها ببساطة بأنها التلقائية في الكتابة والصدق في الأداء والإتقان في الإخراج.
رغم كل ذلك، لم يتم استثمار الدراما السورية في الترويج السياحي مثلاً لسوريا كما فعلت الدراما التركية، ولم يتم تسليط الضوء على المشاكل الحقيقية للمجتمع كما تفعل الدراما المصرية، ولم تقدم التسلية أو الإبتسامة، بل انجرفت الدراما السورية إما إلى مواضيع جادة أو مسلسلات سطحية أنقذها نجومية ممثليها، ولو تم الاهتمام بالدراما السورية وتحويلها إلى صناعة حقيقة دون تأثر أو تأثير بجهات حكومية تهوى الروتين وتفصل العمل على مزاجها، لكانت اليوم الدراما السورية مادة مطلوبة عند المعلن وعند المشاهد، ولما وصلت لما هي عليه اليوم.