يتعرض المعلّق السياسي الأميركي توماس فريدمان، لحملة لئيمة مستمرة من ليكود أميركا بسبب آرائه السياسية، وتحديداً اعتراضه على تأثير البليونير اليهودي الأميركي شيلدون إدلسون في الكونغرس والسياسة الأميركية نفسها. الحملة وسام على صدر فريدمان وإدانة للمتطرفين من ليكود أميركا، في السياسة والميديا، مثل مجلة «كومنتري» التي تهاجم فريدمان من دون توقّف تقريباً. لا أتفق مع توماس فريدمان في كل ما يكتب، إلا أنني أحترمه لأنه معتدل، وهو بالتالي في قائمة يهود من حول العالم كله، بما في ذلك اسرائيل، اسمها عندي «يهودي يمكن عقد سلام معه». القائمة الأخرى تضمّ المتطرفين دعاة الحرب والاحتلال والقتل من ليكود وأمثالهم. ومقال فريدمان الأخير عن فوز بنيامين نتانياهو، كان منطقياً وهو يحذر من أخطار على مستقبل اسرائيل. أختار فقط من عناوين في مجلة أيّدت حروباً قتِل فيها مئات ألوف المسلمين لأسباب زوِّرَت عمداً: - مرض فريدمان بادلسون (والممارسة) والديمقراطية. - فريدمان يبثّ قدحاً وذماً لاساميّاً ضد خطاب نتانياهو. - أصدقاء وأعداء ومعلقون (مقال آخر يهاجم فريدمان ويدافع عن إدلسون). - انتفاضة فريدمان اللاأخلاقية. أتوقف هنا لأقول إن اللاأخلاقي إطلاقاً هو قتل أكثر من ألفي مدني خلال عشرة أيام بينهم 517 طفلاً، وإن الدفاع عن إرهابيين يقتلون ويحتلون يدين مَنْ يدافع عنهم لا مَنْ يحاول حفظ حياة البشر. هذا المقال ليس دفاعاً عن توماس فريدمان، وإنما أتوكأ على موقف المتطرفين منه، وأنا أقرأ صفحات الرأي في «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست» يومياً وتقريباً من دون انقطاع. مجلس التحرير في الجريدتين يضم ليكوديين معروفين، وهم يحملون على الرئيس عبدالفتاح السيسي وحكومته بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان. راجعوا معي: حكم «الإخوان المسلمين» سنة ومحاولتهم الاستيلاء على سلطات الحكم الثلاث، مع تكفير مَنْ يعارضهم، وحكم في مصر اليوم يواجه إرهاباً فالتاً من كل عقال، فيتمنى أنصار اسرائيل في جريدتين ليبراليتين من أهم صحف العالم أن يعود «الإخوان المسلمون» الى الحكم ليقتتل المسلمون وترتاح اسرائيل. أفضّل منهم جميعاً في «نيويورك تايمز» بول كروغمان، الخبير الاقتصادي البارز الفائز بجائزة نوبل، فأنا لا أذكر أنني اختلفت معه في مقال، وإنما أقرأ له بعناد على رغم نقص معرفتي بالاقتصادين الأميركي والعالمي، وأجده منطقياً مقنعاً. ومقاله الأخير عن اسرائيل كان موضوعياً جداً، ومثله المقال: نصّابون بترليون دولار. نيكولاس كريستوف في «نيويورك تايمز» هو من نوع فريدمان، ولا أذكر أنني وقفت ضد رأيه في أي موضوع باستثناء البحرين، لأنني أصر على أنه خُدِعَ بمعارضين يتلقون الأوامر من آيات الله في إيران ولا يريدون ديموقراطية كما يزعمون وإنما ولاية الفقيه في بلد من دون موارد طبيعية تُذكر. ومثل هذا وذاك مورين داود، الذكية المعتدلة، وأيضاً غيل كولنز. في «واشنطن بوست» هناك في مجلس التحرير جاكسون دييل، وهو يكتب بنَفَس ليكودي. ومن جماعة اسرائيل تشارلز كراوتهامر الذي لا أقول عنه سوى إنني لا أحترمه أبداً، وهو إن لم ينتصر لإسرائيل أو يهاجم خصومها، يركز على إدارة باراك أوباما أو هيلاري كلينتون، وآخر ما قرأت لهذا الكاتب الليكودي الهوى كان مقالاً يعلن ألا سلام ممكناً لأن الفلسطينيين يرفضونه، وقبله قرأت مقالاً له بعنوان «تعب مبكر من هيلاري». التعب منه لا من المرشحة المحتملة عن الديموقراطيين للرئاسة الأميركية. أخف منه وطأة بقليل الكاتبة اليمينية جنيفر روبن، وهي تكتب ما تتمنى، وقد قرأت لها أخيراً مقالاً عنوانه: سبعة أسباب لازدهار السيناتور ماركو روبيو. أقول إن روبيو هذا لن يكون مرشّح الجمهوريين للرئاسة والأيام بيننا. على الأقل، هناك في «واشنطن بوست» ديفيد إغناشــيوس ويوجين روبنسون، وكل منهما معلّق معتدل منـصف يبحث عن الحقيقة، ويعوِّض القارئ عن أمثال كراوتهامر وروبن ودييــل والآخرين في مجــلس التــحرير، فلا أقول عن نفــسي إلا إنني سأظلّ أقرأ «نيويورك تايمـز» و «واشـــنطن بوست» كل صباح على رغم أعداء السلام. *نقلا عن "الحياة"