وسط طوفان هائل من الأخبار و"الفبركات" الصحفية المتعمدة في معظمها، برزت دروس ونتائج عدة في هذا الأداء الإعلامي الكارثي سواء على المستوى العربي أو التركي!
رغم النحيب والحزن ودموع التماسيح التي تظاهر بها الاعلام التركي والقطري وكذلك الاعلام "الإخواني"، فإن الحقيقة الموضوعية أن المشهد الإعلامي للقضية على مدى عشرة أيام كاملة ابتداء من اختفاء الكاتب السعودي يوم الثاني من أكتوبر وحتى الثاني عشر من الشهر نفسه، تشير هذه الحقيقة إلى نقاط عدة، أولها القفز سريعاً إلى توظيف القضية في تصفية الحسابات السياسية، حيث لعبت قناة "الجزيرة" الإنجليزية تحديداً دوراً كبيراً في تشويه الحقائق واختراع القصص والحكايات على مدى عشرة أيام كاملة، واتخذت من القضية منطلقاً لتشويه المملكة العربية السعودية بشكل مخالف تماماً للمهنية عن طريق خلط الأوراق واستغلال الصمت التركي الرسمي والاعتماد على التسريبات في افتعال المزيد منها ونشرها وتوسيع دائرة الأكاذيب والروايات التي لم يصمد الكثير منها لساعات معدودة! ولم تكتف "الجزيرة" بذلك بل تعمدت الزج باسم الامارات ومصر في القضية، وكالت الاساءات للبلدين من دون سبب مقنع سوى تعمد التشويه وتطبيق المؤامرة الإعلامية بكل حذافيرها من خلال استغلال أجواء الشك والاستقطاب الحاد حول القضية!
النقطة الثانية أن أول من بادر إلى تمني مقتل خاشقجي وبذل كل الجهد في سبيل اثبات هذه الفرضية هو الاعلام القطري ـ الإخواني، الذي تمسك بفرضية الاغتيال وروج لها منذ اليوم الثالث لاختفاء الكاتب السعودي، معتبراً أن هذه الفرضية بمنزلة فرصة ثمينة لا يجب التفريط فيها للإساءة للسعودية وحليفاتها، وفي تناوله للقضية وترويج فرضية لم يكن عليها أي اثبات آنذاك، تجاهل الاعلام القطري تماماً كل القيم والمبادئ الإنسانية وتاجر بدماء خاشقجي بزعم الدفاع عنه! ولم يضع أي اعتبارات لمشاعر عائلته وأهله ومحبيه، بل كان يظهر مذيعو تلك القنوات وهم في غاية الحماس دفاعاً عن فرضية مزعومة آملين أن تكون هي الحقيقة!
النقطة الثالثة أن الاعلام القطري ـ الإخواني قد تخلى تماماً عن أي أخلاق ونزع أي ورقة تستر عورته وذهب بعيداً في استعداء العالم ضد المملكة العربية السعودية! ولم يكن هناك أي رادع لهذه الحملة المسعورة، التي تواصلت ليل نهار بشكل عكس كم الغل والحقد الذي يكنه هؤلاء للسعودية وقيادتها وشعبها، فكان ذلك أبلغ رد على المشككين في صواب قرار مقاطعة قطر والحملة ضد الجماعة الإرهابية.
الاعلام التركي هو الآخر كان له دور فاضح في هذه القضية، فلم يكن إعلاماً على الإطلاق بل نشرات أمنية تم توظيفها لتسريب ما تريد سلطات التحقيق والمسؤولين الأتراك تقديمه للجمهور من أجل تحقيق أهداف سياسية لا أمنية، فلم يكن الهدف من هذا الكم غير المسبوق من التسريبات الإعلامية المدروسة الوصول للحقائق، التي اكتشف المخدوعون أيام طويلة أنها كانت تحت يد السلطات التركية منذ بدايات القضية، ولكن الهدف الاستراتيجي تم رسمه بدقة منذ الساعات الأولى في قاعات الحزب التركي الحاكم، وكان لمستشاري الرئيس الذين زعموا صداقتهم لخاشقجي وتاجروا بهذه الصداقة سياسياً وإعلامياً، دور رئيسي في تنفيذ هذا المخطط، الذي قام على استغلال القضية برمتها طوق انقاذ للخروج من الضائقة الاقتصادية التركية!
للأسف رسم السيناريو بدقة يحسد عليها الأتراك، والمسألة كانت واضحة لكل من يفهم جيداً شخصية الرئيس أردوغان وحقيقة مواقفه السياسية، ولكن الكثيرين لا يزالون يرون فيه "البطل المخلص"، ولا يريدون أن يروا الحقائق التي كانت ساطعة كالشمس في هذه القضية الكاشفة الفاضحة!
لاشك أن الاعلام السعودي وأيضاً إعلام الدول التي حاول الاعلام القطري الإخواني الزج بها في القضية قد حاولوا جاهدين كشف عورات الحملة المغرضة وحقيقة القضية وأبعادها العميقة التي تخفي على البسطاء، ولكن طوفان الاعلام المضاد كان كبيراً وهذا بحد ذاته يوفر لنا دروساً مهمة منها أن الاعلام لم يعد مجرد أحد أدوات اللعبة في حروب الجيل الرابع، بل بات رأس الحربة الأساسي في هذه الحرب، فلا أداة غير الاعلام، حيث اختفت السياسة وتوارت في هذه القضية وراء الاعلام، وكان العالم يرصد كل كلمة تقال في هذه العاصمة أو تلك حول قضية خاشقجي، ولاسيما في عاصمة الدولة الأكبر في العالم، الولايات المتحدة، حيث حظي الموقف الأمريكي باهتمام عالمي كبير، وكانت تصريحات الرئيس ترامب في هذا الموضوع تحديداً تنتشر بسرعة البرق عالمياً.
أسهمت هذه القضية في فرز المواقف وفضح الكثيرين من المنافقين إعلامياً وسياسياً، كما أنها وفرت للجميع في العالم درس في ضرورة تعزيز القدرات الإعلامية للدول، لأن غياب الاعلام أو محدودية قدراته مهنياً وجغرافياً بات أخطر من غياب الدفاعات العسكرية. علينا أن نستوعب دروس هذه القضية جيداً حتى لا نظل في مرمى نيران الاعلام القطري الإخواني.