أذكر من أيام المراهقة في بيروت لافتة توضع على حفر الهاتف أو المجارير تقول «نعمل لأجلكم». كان عابر الطريق يقع في الحفرة غير المحاطة بحواجز واقية وقد يأخذ معه اللافتة «نعمل لأجلكم». وفكرت يوماً أن الكلمة ربما كانت «لأجَلِكم» وليس «أجْلكم». أزعم اليوم أنني أكتب ما أرجو أن يفيد القارئ، فنحن نودع آذار (مارس) والشتاء وغداً الربيع وإجازاته، ثم الصيف وإجازة طويلة، وعندي معلومات عن أغلى مدن العالم وأرخصها، وحيث يستطيع أن يذهب السائح آمناً على نفسه، وحيث هناك أخطار صحية وغيرها. مراكش تتصدر قائمة أكثر المدن السياحية شعبية في أهم مؤشر عالمي لهذه المدن. لقبها «المدينة الحمراء» وبعدها على التوالي: سيم ريب (في كمبوديا) وإسطنبول وهانوي وبراغ ولندن وروما وبوينس ايريس وباريس ومدينة الكاب. في المقابل، أغلى مدن العالم على التوالي هي سنغافورة ثم باريس وأوسلو وزوريخ وسيدني وملبورن وجنيف وكوبنهاغن وهونغ كونغ وسيول (هاتان المدينتان الأخيرتان في المركز التاسع) ونيويورك. أما أرخص المدن فهي على التوالي في المراكز العشرة الأخيرة الجزائر ثم كاتماندو وطهران ودمشق ونيودلهي وتشنـّاي (مدراس سابقاً في الهند) وكراكاس ومومباي وكراتشي وبنغالور. بما أن «العين بصيرة واليد قصيرة»، وبما أنني والقارئ لا نملك «المؤهلات» للسياحة في أغلى المدن، فإنني أتجاوزها زاعماً أن مدن الشرق الأقصى بعيدة، ولن أقضي 12 ساعة في الطائرة لأزورها، وأن الدول الاسكندينافية باردة، وأن زوريخ وجنيف لأصحاب الحسابات البنكية السرية. بين المدن الأرخص دمشق كانت مدينتي المفضلة. أحب القاهرة وعمّان والقدس (قبل الاحتلال) ولكن دمشق على بُعد ساعة بالسيارة من بيروت، وفيها أجمل جميلات العرب والغوطة والمسجد الأموي والسور والحميدية والشارع المستقيم وسوق التنابل. ثم هناك المطبخ الشامي الذي لا شيء يضاهيه في العالم كله. أين نحن اليوم من دمشق التي عرفناها صغاراً كباراً. قتل ودمار ومواطن علق بين مطرقة الحكومة وسندان الإرهاب، أو هاجر إلى خيمة تذريها الرياح، ويغطيها الثلج. لا أحد يستحق مثل هذا المصير، ولا سامح الله مَنْ كان السبب. على هامش ما سبق وقعت على معلومات عن دول هبطت أسعار الإقامة في فنادقها عن السنة الماضية، ما يشجع على زيارتها. والدول العشر الأولى هي على التوالي روسيا ثم أوكرانيا والسويد والنرويج وبولندا ورومانيا وبلغاريا وفرنسا والمغرب وأوروغواي. معلوماتي كلها من مؤسسات دولية خبيرة، ولكن أنا «أعمل لأجلكم» وأسأل كيف تكون باريس أغلى مدينة في العالم حسب مؤسسة، وتكون فرنسا في قائمة الدول التي هبطت الأسعار فيها؟ وكيف تكون السويد والنروج من البلاد الاسكندينافية التي هبطت أجور غرف الفنادق فيها، وأوسلو وكوبنهاغن بين أغلى المدن؟ عدت إلى المؤسسات الدولية وأرقامها، ووجدت أن الفنادق خفضت أسعارها بين 80 دولاراً أو 45 في المئة في روسيا، و131 دولاراً أو 12 في المئة في أوروغواي. وجدت في تفسير ما يبدو من تناقض في المعلومات الـــسابقة أن المؤسسات الدولية تتــعامل بالدولار (مثل أهل لبنان) وهناك إحصاءات أخرى ربما تشرح الموضوع، فالدولار زاد سعره مقابل العملات الاسكندنافية حوالي 11 إلى 25 في المئة. وهو سجل مكاسب في الشرق الأقصى، ربما باستثناء اليابان والصين. أخيراً، مؤشر المخاطر الصحية جعل مدغشقر وبوتان في رأس قائمة الدول التي تشكل خطراً على الزائر الأجنبي لقلة الحماية الصحية فيهما. والقائمة تضم كوبا مع أن هذه تصدِّر الأطباء إلى العالم، فأتوقف هنا قبل أن أزيد من حيرة السائح العربي. *نقلا عن "الحياة"