خلال الأشهر الماضية، كنت قد تأملت كثيرا في الصمتين عن الحملة الموجهة ضد المملكة، ولطالما تساءلت عن سبب الصمت في مثل هذه الأحداث؟ حتى وقع بين يدي بحث لعالم أمريكي يقول إن العوامل المحيطة بنا تغير ليس فقط أفكارنا فحسب بل وحتى الجينات التي نحملها. أي أن تأثيرها علينا عميق جدا وطويل الأمد، وهو بحث من جملة دراسات قام بها العالم Bruce Lipton في هذا الخصوص يمكن الاطلاع عليها لمن أراد الاستزاده.
ولكن ما الرابط بين أبحاث Bruce Lipton والصامتين في المشهد الحالي؟
حسناً، فلنعد بالذاكرة قليلا إلى الوراء. ألم يقل صاحب الرؤية حفظه الله إن المجتمع السعودي تغير بعد استلام الخميني السطلة في إيران عام ١٩٧٩؟ وألم يقل بنفس هذا الكلام وزير الداخلية السابق رحمه الله وثلة من أهل الدراية بحالنا؟
لقد كان من الملاحظ أن المجتمع بات في حالة تخندق بين تيارات متصارعة على عدة أصعدة.
فعلى قرابة الأربعين عام ونحن نتعرض ونتفاعل مع هذه الصراعات. وخلالها مُررت إلينا كثير من الأفكار كتلك التي تدعو ليكون ولاؤنا للأمة فقط ولكن ليس للوطن. وخلالها كذلك برز تلميع الدولة العثمانية لحد الخيال في عقول النشء من الطلاب الذين يشكلون نسبة مليونية من المجتمع السعودي.
وكان في مقابل ذلك أصوات تنادي بتحول المجتمع لنسخة كربونية من الغرب وتتهم الدين بأنه رجعية إلى العصور الوسطى.
إذن: حالة توهان في المجتمع السعودي خلقها الفرقاء وجعلته يدور في حلقة مفرغة من الصراعات المفروضة عليه من الخارج. وحيث تم إلهاء أجيال منا بالغزو الفكري والتيار الخفي الذي يريد تغريب المجتمع؛ دبَّ حينها بيننا الشك في الآخر وثارت على إثرها معارك التنابز بالألقاب فهذا علماني وذاك ليبرالي والآخر جامي وهلم جرى.
ولا أشك بأن عقودًا من الزمن قد تعرضنا فيها لكمية هائلة من السموم الفكرية سوف تحدث ردة فعل وتأثير جانبيين، وهنا يكون ربط استدلالات Bruce Lipton عن التغير الحاصل لدينا من تأثير هذا التيار. فنحن في مرحلة تعافي مستمر من وعكة كادت أن تقودنا نحو الهاوية لولا أن مَنَّ الله علينا بقائد شجاع سبر مكمن الخلل وقام بمعالجته بكل عزم وحزم عبر تأكيده الصريح بالتغيرات الدخيلة التي اقتحمت عقولنا منذ العام 1979.
إنني مؤمن بأن الصامتين عن دعم بلدهم خلال هذه الظروف سيدركون قريبا حاجة الجميع للنهوض بهذا الوطن الشامخ خلف قيادته الواعية الحكيمة، وسيشد من أزرهم أنهم سيؤمنون أيضا حال دفاعهم عن الوطن بأنهم صناع للتاريخ، وليسوا مجرد أرقام صامتة.
إن الصمت ليس علاجًا ناجعا بالضرورة، فالوطن اليوم هو من يقف تحت ظله الجميع، وهم من يجب أن يستمروا برفع ظلاله، ومن ذلك الدفاع عنه وعن قيادته وترابه.
د. خلف الناحل الحربي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم