في الوقت الذي لا يزال فايروس كورونا المستجد يحصد مزيداً من الإصابات حول العالم وتتصدر عناوين الاخبار المحلية والعالمية بأن هذا الفايروس يدفع الاقتصاد العالمي الى أسوأ أزمة منذ عام 2009، نجد ان "كورونا" اضاء لنا الطريق بصورة جديدة، وبشكل آخر، وبطريقة غير نمطية، جعلنا نتجرد من الماديات ونبحث عن ذواتنا وعن أنفسنا بالدرجة الأولى في وقت ازدحمت فيه الأفكار والمشاعر مع الواقع المادي بجميع أشكاله المنطقية واللا منطقية.
هو فايروس غير مرئي بالعين المجردة لكنه أثّر على الكرة الأرضية بطريقة غير مسبوقة لجميع من يعيش على سطحها، هزّ الاقتصاد العالمي وأخاف الكبار والصغار ولكنه في الحقيقة أعطانا فرصة للتعامل مع المشاعر والبحث عن السلام الداخلي فعليا.
نحن نعيش لحظة تاريخية تعطينا درسا وتعلمنا كيف نعرف معنى الحياة وكيف نعيش حرفيا بعيدا عن كل الماديات بالاتصال مع دواخلنا والعودة الى الروحانية مع النفس ومع الله.
سنتعلم من هذه المرحلة القاسية أن نعيش اللحظة الحالية بكل مافيها، فقد التزمنا بقوانين الدولة بالجلوس في منازلنا وكم كانت هذه الخطوة صعبة على الكثير من المنهمكين في الحياة بشتى صورها ولكن وجدنا ان كورونا جاء رسالة من الله للعودة للنفس.
الغريب ان الحياة الأسرية الطبيعية عادت، فعندما أُغلقت المساجد دق ناقوس الخطر وعاد معظم الناس الى صوابهم فأصبحت الأسرة تصلي الجماعة في المنزل مع الأبوين، وأصبح الأب يعمل ساعات أقل ويمضي وقتا أكثر مع العائلة قّلت المصاريف التي كانت أكثرها على المظاهر والجانب الترفيهي بالتالي قلّت مصاريف الخروج الى المطاعم والترفيه والتسوق والمشتروات الغير ضرورية، وتعلمت السيدات فنون الطهي واصبحت العائلات تأكل في منازلها كما في السابق قبل الثورة التكنولوجيا الأخيرة.
عاد الأصدقاء يسألون عن بعض ويتواصل الأهل أكثر بكل وسائل التواصل التكنولوجية صوتا وصورة افضل من ذي قبل.
عرفنا قيمة المعلم والحركة التعليمية وروعة التعليم عن بُعد كما اصبح هناك تهميش على المشاهير والفاشونيستات والفنانين، حتى الإعلام تقلّص دوره اكثر ولم يظهر سوى دور الكادر الطبي والتمريضي والأمني.
وكأن الارض تطلب منا الهدوء، وتقول ان لم يُعد الناس الى أنفسهم وذواتهم كان لابد من ظهور مايعيدهم حتى يحصل التوازن بين الماديات والروحانيات.
لن ينتهي كورونا سريعا وعلينا ان نرضى ونقبل فلو انتهى سريعا لن نتعلم الدرس، ونحن محكومون بالأمل لذا علينا الرضا والعودة للتوازن في الأرض.
شكرا كورونا سيزول هذا الوقت العصيب كما زالت الفروق بين الناس وتساوت الارواح وزالت المظاهر والماديات شكرا كورونا لأننا نعيش لحظة حقيقة لم نعِشها من قبل، لأنك صدمة ستصنع فرقا في العمر القادم.