كثيرٌ منا غرد وصوّر وكتب استباقياً عن مرحلة ما بعد كورونا، أو "الإنفراجة" كما أود أن أسميها، وكيف ستبدو الحياة حينها بردائها الربيعي الجديد.. مختلفة وبهية ومليئة بالتغييرات التي ربما تكون جذرية في جوانب كثيرة وحيوية في العالم ككل. في حين تباينت مواقف البشر الفعلية تجاه ما نعيشه اليوم من تجربة ستترك حتماً أثراً مختلفاً لدى كل فرد منا، خاصة أن الجميع اختبر لأول مرة الشعور بالتهديد المباشر لحياته من عدوّ لا يراه ولا يستطيع تحديد مكانه ليتجنبه!
ونتيجة لذلك، هناك من فوجئ بغزو نوبات القلق والهلع التي حرمته النوم أو قضاء يوم هادئ مع نفسه أو عائلته، وهناك من سلّم عقله لنظريات المؤامرة والخرافات التي تستند على التفكير البدائي بسبب العجز عن فهم الواقع أو التكيف معه، في حين أن هناك من يجاهد يومياً للحفاظ على إتزانه الداخلي في ظل ما تقذفه وسائل الإعلام في وجه المتلقي من أخبار أقل مايقال عنها أنها تعيسة. لكن ماذا عنا نحن.. البقية؟ هل تأملنا أنفسنا برأفة وحبّ وتساءلنا بتجرد مالذي تغير فينا خلال هذه المدة؟ مالذي نما وعَظُمَ بداخلنا ومالذي تفاجأنا بأنه تقزّم؟ مالذي اكتشفنا بأنه تربع لأعوام على عرش أولوياتنا دون أدنى استحقاق؟ وهل باتت اليوم تلك الأمور التي لطالما أغضبتنا أو تذمرنا منها.. سخيفة؟ ماذا عن شعورنا حين علمنا أن دورنا لحماية مجتمع بأكمله يقتصر على البقاء في منازلنا وإغلاق أبوابنا في وجه المرض والموت التي حصد الآلاف من الأرواح؟ وهل تمتم كلٌ منا سراً "أنا فعلاً محظوظ" بعد أن اعتقدنا العكس في لحظات خابت فيها ظنوننا؟ آمل ذلك، فأنا لست متأكدة مما حدث معكم. لكني أدرك جيداً أني رغم كل تأملاتي وتساؤلاتي، مازلت حتى اليوم تحت تأثير رجفة الإمتنان!
هذه الرجفة هي الناتج عن مزج السعادة بالفخر والدهشة والأمان والإستقرار النفسي! وتشبه كثيراً رجفة الأمان بعد خوف، أو فرحة رؤية الضوء في آخر نفق طويل موحش ومظلم. إنها الشعور الذي يسكنك حين تزلق قدمك وأنت على وشك الركض أو الهرولة، فتدرك لحظة إنزلاقك أنك ستسقط على ظهرك بقوة وتؤذي رأسك لا محالة، وفي لحظة التسليم تلك التي أغمضت فيها عينيك استعداداً لإرتطام رأسك.. يتغير كل شيء! وبدلاً من أن تشعر بهزة الإرتطام وألمه.. تشعر بدفىء يدين تتلقفك.. فتحميك.. فتطمئنك! ولا تملك حينها إلا أن تبتسم متفاجئاً وتحمد الله في كل لحظة تتنفس فيها!
شعرت بتلك الرجفة حين وضع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله بجملة قراراته، صحة الإنسان الذي يسكن هذه الأرض المباركة على رأس أولوياته، أياً كانت ديانته وبغض النظر عن لون جواز سفره! وإن حدث أن أصابته لعنة كورونا فعلاجه بالمجان، حتى وإن كان مخالفاً للنظام! ناهيك عن دعمه للإقتصاد وحرصه على وفرة المخزون الغذائي واستمرار العملية التعليمية والعمل عن بعد!
أختم مقالي بعبارة للكاتب الأمريكي وليام آرثر وارد حيث قال: "يمكن للإمتنان أن يحوِّل الأيام العادية إلى أعياد، ويحوِّل الأعمال الروتينية إلى متعة، و أن يغير الفرص العادية إلى معجزات".