2020-04-19 

الوعي هو الفيصل

حنان الحمد

اختلف معيار رقي الأفراد ومكانتهم وموثوقيتهم في المجتمعات على مر العصور، ولعل الظروف السياسية والاقتصادية والأيدولوجية والاجتماعية أثرت عليه وجعلته يختلف من زمن لاخر.

 

لنأخذ معيار رقي الأفراد وموثوقيتهم في المملكة العربية السعودية مثالا، فبعد توحيد المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله واكتشاف النفط وما عاشه المجتمع على إثرها في الدولة السعودية الثالثة - نصرها الله وأدامها- من تغييرات اجتماعية وديموغرافية وطفرة اقتصادية ومؤئرات أيدولوجية ذات صلة بالتشدد الديني أصبح معيار الموثوقية في الأفراد لا يخرج عن اثنتين هما درجة تعليمه و قوة التزامه الديني المنعكس على مظهره الخارجي.

 

ومع كل أزمة أو حرب أو جائحة مرت وتمر فيها المملكة العربية السعودية يكون هناك فجوة بين أداء الحكومة وأداء المجتمع، ولعل هذه الفجوة تكون لصالح الحكومة وتظهر من خلال أفعال يقوم بها أفراد المجتمع وتعتبر مؤشرات ذات دلالات على هذه الفجوة، من أمثلة تلك الأفعال سرعة انتشار الإشاعات وتداولها، التشكيك غير المعلن من البعض في إجراءات الحكومة في مختلف الأزمات وانخفاض مستوى الثقة قد يصل لمقاومة تلك الإجراءات بمخالفتها أو إبداء السخط، سهولة تصديق كل ما يروى من أخبار في الإعلام المعادي للسعودية، تصديق كل ما يصلهم من صور أو رسائل تتضمن معلومات مغلوطة صحية أو وقائية وغيرها وتداولها، جميع ما تقدم هو غيض من فيض قد يظن القاريء أن من يقوم به هم أشخاص غير متعلمين أو بعيدين عن الدين ولكن المفاجأة هي أن تلك الأفعال تصدر من قبل أفراد متعلمين يحملون شهادات أكاديمية عليا أو متدينين يشهد لهم بالصلاح والالتزام ولهم مكانتهم الاعتبارية.

 

هل نحن وحدنا في هذا؟ الإجابة لا فمجتمعات العالم أجمع تعاني ولكن بنسب ودرجات متفاوتة فليس غريبا أن ترى أحدهم من دولة ما يحمل شهادة دكتوراة في الحاسب الآلي أو البرمجيات ومع هذا قد يغامر بحياته ويذهب إلى تجمع ديني دون أدني إجراءات وقاية من وباء منتشر، وقد تتفاجأ بسيدة من دولة أخرى تحمل شهادة في الكيمياء ولكنها ترفض الانصياع لقوانين دولتها في منع التجمعات لخطورة إصابتها بعدوى وبائية وتبريرها أن مباديء الحرية تأتي أولا! أما جماعة الخلط بين التوكل والتواكل في مختلف الأديان ترى أن القوى الإلهية هي الفيصل في حمايتهم وتناسوا أن الاتخاذ بالأسباب هو جوهر التوكل على الله فاستمروا في اجتماعاتهم الدينية غير مكترثين في المصلحة العامة.

 

 

وبعد تأمل طويل كدت أن أفقد فيه إيماني في جميع المعايير التي تميز العاقل من الجاهل وجدت أن الفيصل بين شخص وآخر ومجتمع وآخر هو الوعي - الذي يتخذ من إعمال العقل والتفكير الناقد وإثارة الأسئلة أدوات له - ليميز بين ما يضره وما ينفعه، بين ما هو صادق وما هو كذب، لكم أن تتخيلوا لو كان أفراد المجتمع على اختلافهم  يحملون هذا الوعي كيف ستكون الفجوة بين أداء أفراد المجتمعات وحكوماتهم!

 

إن الوعي هو الفيصل الحقيقي والمعيار الذي يمكن أن يصنع رقي الأفراد ومكانتهم وموثوقيتهم وليس شهاداتهم أو تدينهم أو أيدولوجياتهم السياسية ولا اقتصادهم سواء تلك المجتمعات التي تؤمن بالحرية المطلقة أو الجمعية المقيدة.

 

لذا كان لزاما على الحكومات التي تقود المجتمعات أن تتبنى مشروع تنمية الوعي لدى أفرادها ليكون مكونا معلنا في كل مفاصلها وليكن شعارها أبق الوعي حيا!

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه