بعد صدور البيان المتعلق باتفاق لوزان، سارع زبيغينو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في عهد جيمي كارتر، الى إرسال برقية تهنئة ودعم الى صديقه الرئيس باراك أوباما. والثابت أن الرئيس الاميركي إستعان بعدة اختصاصيين، كان بينهم: بريجنسكي، والكاتب والمعلّق الهندي الأصل فريد زكريا. إضافة الى ثلاثة إيرانيين هم: وليّ نصر وروي تكيّة والسيدة أصفندياري. والمؤكد أن سبب استعانة أوباما بخبرة بريجنسكي يرجع الى أهمية الدور الذي تولاه عقب انفجار ثورة الخميني في شباط (فبراير) 1979. وفي الكتب التي أصدرها بعد إنتهاء مهمته في ادارة كارتر (1977-1981) يشير مستشار الأمن القومي الى تأييده لحكم الملالي في إيران بهدف تحريض الجاليات الاسلامية داخل منظومة الاتحاد السوفياتي. ومع أن العلمانية كانت، ولم تزل، السمة الطاغية للنظام الاميركي إلا أن ظروف الحرب الباردة إقتضت محاصرة الاتحاد السوفياتي بأنظمة تمنع تمدده الخارجي. وقد شكلت في حينه باكستان وتركيا نواة الزنار الدفاعي الذي تألف منه الحلف الأطلسي. ولكن زخم الثورة الاسلامية التي تحولت الى قوة سياسية مندفعة خارج حدود إيران، شجعت مصمم الاستراتيجية الاميركية في عهد كارتر على استبدال الحصار العسكري بحصار ديني. والسبب - كما شرحه بريجنسكي - يعود الى أهمية توجيه الثورة الخمينية باتجاه روسيا، على أمل تحريض ملايين المسلمين في الداخل على إعلان التمرد والعصيان ضد الدولة الملحدة الكافرة. صحيح أن شبان الثورة إقتحموا سور السفارة الاميركية واحتجزوا الطاقم الديبلوماسي مدة طويلة... ولكن الصحيح أيضاً أن الرئيس الاميركي رونالد ريغان وافق على تزويد إيران أسلحة متطورة لقاء إطلاق سراح خمسة أميركيين محتجزين في بيروت. وقد عقد ذلك الاتفاق نائب ريغان جورج بوش الأب مع رئيس الوزراء أبو الحسن بني صدر في باريس، بحضور «اري بن حيناشا» من «الموساد» تولى مهمة نقل الأسلحة من إسرائيل الى إيران. في مقالة مشتركة كتبها وزيران سابقان للخارجية الأميركية هنري كيسنجر وجورج شولتز، حرص الاثنان على إبراز المكاسب التي جنتها إيران من وراء الاتفاق مع الولايات المتحدة ومجموعة الخمسة زائد واحد. وقد شدد الوزيران السابقان على سعي إيران المتواصل الى توسيع رقعة نفوذها الاقليمي بحيث أصبحت الشبكة التي نسجتها أقوى من سلطان الحكومات المحلية، كما في لبنان والعراق وسورية واليمن. كذلك حددا حيازة طهران على مواقع متقدمة حول الممرات المائية الاستراتيجية في الشرق الأوسط، الأمر الذي ساعدها على تطويق المملكة العربية السعودية وتهديد دول مجلس التعاون الخليجي. ثم تساءل كيسنجر وشولتز عن غاية الرئيس باراك أوباما من الاتفاق، خصوصاً أنه قايض تعاوناً نووياً موقتاً مدته عشر سنوات... بالتغاضي عن هيمنة ايران. وفي هذه الحال، يرى المشككون بجدوى الاتفاق أن واشنطن إستخدمت هذه الصفقة كجسر لفك إرتباطها بنزاعات المنطقة، والتهيؤ لسحب كل قواتها العسكرية من المواقع الملتهبة. وقد ظهر هذا التوجه في عدة أماكن بدءاً من العراق وأفغانستان. قبل مغادرته البيت الأبيض بسنتين تقريباً، حرص الرئيس أوباما على ترك بصماته على السياسة الدولية. ذلك أنه خلال أسبوع واحد أعاد علاقات بلاده مع عدوَيْن تاريخيين هما إيران وكوبا. وبحسب رأيه، فان الدولتين لا تشكلان خطراً أمنياً على الولايات المتحدة التي تبلغ موازنتها العسكرية 600 بليون دولار. في حين لا تزيد الموازنة العسكرية الايرانية على 30 بليون دولار. ولكن هذا المنطق لم يجد الصدى المستحبّ لدى دول الخليج العربي التي تتطلع الى الولايات المتحدة في عهد أوباما كقوة معطلة سبق لها أن تراجعت عن ضرب سورية، وسمحت لإيران بالتوسع السياسي من طريق وكلائها في لبنان والعراق وسورية واليمن. ويستغرب أهل الخليج كيف تناسى أوباما الضربات الموجعة التي سددتها إيران للمصالح الأميركية في لبنان والعراق. والكل يذكر الأحداث التي قادت الى إضعاف النفوذ الغربي في لبنان بعد تفجير مقر المارينز وخطف عدة مراسلين ونسف السفارة الاميركية في بيروت. المقربون من أوباما يزعمون أنه يميل الى منح إيران الفرصة لحيازة سلاح نووي. وهو في هذا الخيار لا يراهن على صداقة نظام وُلِد من عداء الغرب، وخصوصاً من عداء الولايات المتحدة. ولكنه مقتنع - بعد محاولات ديبلوماسية متكررة - أن فشل المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية يعود، في أسبابه الحقيقية، الى إمتلاك اسرائيل أكثر من مئتي رأس نووي، في حين لا يملك الفلسطينيون سوى سلاح الحجارة وصواريخ التنك. وهو يعزو عدم تحقيق أي تقدم في المفاوضات، التي إستمرت أكثر من ثلاثين سنة، الى إنتفاء توازن الرعب، والى إستغلال حكّام اسرائيل لهذه الثغرة القاتلة. وعليه يرى أوباما أن قضية فلسطين - أي القضية المركزية للعرب والمسلمين - ستظل تراوح مكانها ما لم يصبح تهديد إيران بالسلاح النووي جدياً. وأعطى مثالاً على مشكلة كشمير، وكيف ساهمت حيازة باكستان للقنبلة النووية في إستقرار الحدود مع جارتها الهند، المالكة لهذا السلاح الفتاك أيضاً. وبحسب تصوره، فإن قنبلة هيروشيما لن تتكرر بعد مضي سبعين سنة على إستعمالها. وهو يرى أن السلاح النووي لا يزعزع النظام السياسي العالمي، بقدر ما يساعد على استقراره. خصوصاً أن إيران تعرف جيداً أن «الخيار الشمشوني» - أي قدرة اسرائيل على توجيه الضربة الثانية - سيعيدها الى العصر الحجري. يقول مارتن انديك من معهد بروكنغز، والمبعوث السابق لأوباما الى الشرق الأوسط، إن واشنطن لم تحدد بعد صورة النظام الاقليمي الذي سترسمه مع إيران أو من دونها. والمفاوضات في لوزان لم تقتصر على احتمال حيازة طهران سلاحاً نووياً بعد عشر سنوات... بل تناولت أيضاً مستقبل الشرق الأوسط برمته. لهذا قام وزير الخارجية جون كيري بزيارة الرياض حيث التقى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وتحدث معه عن قضايا المنطقة، وعن ضرورة تعاون إيران مع دول الخليج بطريقة إيجابية تنهي النزاعات الطائفية في اليمن والعراق، وتعزز فرص الاتفاق على إنتخاب رئيس للبنان. زعماء الحزب الديموقراطي يضيفون الى هذه الأسباب سبباً يتعلق بسياسة الرئيس أوباما. وهم يراهنون على موعد إنتهاء الولاية الثانية في تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 2016. بينما هو يتوقع أن تنجح سياسته الخارجية في إحتواء ايران... وإنهاء الحرب الأهلية في سورية... وإلغاء النظام الذي دشنه «داعش» في العراق وسورية. وباختصار شديد، يريد أوباما مغادرة البيت الأبيض وهو معفى من كل المسؤوليات التاريخية التي تحمّلها الرؤساء السابقون. زعماء إيران ينتظرون آخر شهر حزيران (يونيو) ليتأكدوا ما إذا كان الرئيس الاميركي سيعلن رفع العقوبات، ويوقع الاتفاق النهائي معهم. وهذا ما إشترطه مرشد الجمهورية الاسلامية علي خامنئي في حديثه الأخير. بل هذا ما ينتظره الشعب من قائده الأعلى الذي يعاني من سرطان البروستات من الدرجة الرابعة. ويتردد في هذا السياق، انه عازم على المشاركة في إختيار خلفه، إذا ما أبرمت الولايات المتحدة إتفاقها النهائي مع طهران. وتؤشر الصحافة الإيرانية الى خمسة مرشحين، هم: هاشمي شهرودي، وهاشمي رفسنجاني، وصادق لاريجاني، ومحمد تقي مصباحي يازدي، ومجتبى خامنئي. ويشغل المرشح شهرودي رئاسة مجلس الخبراء بصورة موقتة. وهو من مواليد العراق. وقد أتم علومه الدينية في المدينة الشيعية المقدسة «النجف». ثم دخل عالم التجارة، وجمع ثروة كبيرة قربته من الحرس الثوري. وعلى مستوى أصحاب الثروات، يمكن أن يتنافس شهرودي على منصب المرشد الأعلى مع هاشمي رفسنجاني الذي شغل في السابق منصب رئيس إيران ورئيس مجلس الخبراء. وهو حالياً يترأس لجنة النظر في مصالح الدولة. وهي هيئة تتمتع بتأثير كبير على الاجراءات الدستورية والسياسية. وتدّعي مصادر اقتصادية عالمية أن ثروته تقدَّر بأكثر من بليون دولار، جمعها من محاصيل الفستق ووكالة السيارات اليابانية. وتصنفه العواصم الغربية كمعارض لخامنئي، الأمر الذي تسبب في إقصائه عن إنتخابات الرئاسة السابقة بسبب سنه (81 سنة). أما المرشح صادق لاريجاني فيقف في صف الطامحين الى الرئاسة. ورغم صغر سنه، إلا أن علي خامنئي يفضله على سواه، لأن شقيقه علي كان رئيساً للبرلمان وقائداً للحرس الثوري. ويأتي في الدرجة الرابعة الفقيه محمد تقي مصباحي يازدي. وقد إشتهر بمعارضة الاصلاحيين والمحافظين معاً. ومن أبرز الأسماء مجتبى، النجل الأصغر للمرشد الأعلى علي خامنئي (45 سنة). وهو يسيطر على قوات «الباسيج» في الحرس الثوري، الأمر الذي شجعه على القيام بحملة لصالح محمود أحمدي نجاد. ورغم ضعف مؤهلاته الدينية، إلا أن الرئيس السابق نجاد ردّ على مبادرته بتأييد مطلق لخلافة والده. علماً أن الوالد جرى تعيينه عقب وفاة الخميني من قبل مجلس الخبراء. أي المجلس الذي يتألف من 86 عضواً، وهو الذي سيختار القائد الأعلى للجمهورية الاسلامية!