أيمن نور: الناس مستقيلون من السياسة إذا شعروا بأنهم خارج المعادلة (حوار) من القاهرة، مختار أبو مسلم يرتبط اسم الدكتور أيمن نور بالكثير من المراحل التي شهدتها المعارضة المصرية خلال العقد الأخير، والذي تسارعت أحداثه وقلبت الموازيين لأكثر من مرة وفي إتجاهات تبدو متعاكسة، خاض نور سباقا – بدا للبعض – غير متكافئا مع الرئيس المصري الأسبق في انتخابات رئاسة 2005، ودخل السجن بعدها كثمن لتأسيسه حزب معارض جاد، عندما اندلعت ثورة 25 يناير 2011 كان في صفوفها، وعندما انتقلت السلطة إلى أول رئيس مدني منتخب اعتبره البعض كان على يمينها. لدى نور، الذي يقيم في لبنان حاليا، الكثير من الإجابات على الكثير من القضايا المتشابكة التي تعصف بالمعارضة في الدول العربية، لاسيما دول الربيع العربي، كيف يرى دورها، ودوره هو أيضا، هذا ما تناوله في حوار مع "الرياض بوست" فإلى نص الحوار: في البداية كلمنا عن المجلس العربي للدفاع عن الثورات والديمقراطية الذي ساهمت في تأسيسه للتأثير في الواقع العربي العربي وأدوات هذا المجلس؟ المجلس العربي للدفاع عن الثورات،هو بيت خبرة عربي، يستهدف تقديم تجارب التغيير الديموقراطي، والثوري، في الكثير من دول العالم، لدول الربيع العربي، وتبادل خبرات النجاح والفشل، بين دول الربيع، وبعضها البعض… ويستهدف هذا المجلس الدفاع عن القيم التي قامت من أجلها الثورات،ولا يعبر عن تيار أو توجه سياسي بعينه،بل هو مظلة تضم رموز الثورات العربية أمثال الدكتور المنصف المرزوقي الرئيس التونسي السابق، والنائب التونسي عماد الدائمي، من اليمن توكل كرمان الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، ومن سوريا الدكتور أحمد طعمة رئيس الحكومة السورية المؤقتة، وعدد من رموز الثورة في مصر.. فضلاً هيئة استشارية من الخبراء والباحثين وأظن أن الشهور القادمة ستشهد نشاطاً للمجلس الذي تأسس في تونس برئاسة الدكتور المرزوقي وبدعوة مني ومن الزميلة توكل كرمان.. ما هي الأطراف التي سيتولى المجلس الوقوف ضدها دفاعاً عن الثورات؟ كما قلت سابقاً المجلس يدافع عن قيم الثورات، وإستحقاقاتها، وليس عن أشخاص أو إتجاهات، وبالتالي هو ليس مع أطراف، ولا ضد أطراف، هو مع الديموقراطية، والحرية ، والعدالة ،وحقوق الإنسان، وهو بالتالي وبمفهوم المخالفة هو ضد كل ما يأخذنا عكس هذه المسارات، أو يعمل على الأجهاز عليها، سواء كان بصورة منظمة كالثورات المضادة، أو غير ذلك .. من الأفكار التي تهدم هذه القيم أو تتصادم معها..وفقاً للواقع في كل دولة ودون أن يكون هناك أية أهداف خارج نطاق دول الربيع ذاتها.. يرى البعض أن الواقع في الشرق الأوسط متشابك، إذ لا يمكن حل مشكلة في بلد دون الأخرى هل يعني هذا أن الدفاع عن هذه القيم بات مرهوناً بحل الأزمات الكبرى كسوريا والعراق واليمن ولا أمل في بلاد كمصر حيث لا يمكن تحقيق تقدم فيها في ظل هذا الوضع الإقليمي؟ بالعكس، أتصور أن حل هذه الأزمات، هو أهم أولوياتنا، في المجلس العربي للدفاع عن الثورات،"مثلاً":- مواجهة الثورة المضادة في اليمن، هو إنتصار لقيم الثورة اليمنية العظيمة، وكذلك الأمر في باقي دول الربيع، أما مصر تحديداً فلها خصوصيتها، فيما يتصل بالعلاقة مع الوضع الإقليمي المعقد، خاصة وأن هذا الوضع الإقليمي كان سبباً هاماً في تعقيد الأزمة المصرية وبالتالي التوصل لتوافقات إقليمية، وتطمينات مستحقة عن الحاضر والمستقبل، قد يساعد في الوصول إلى حل الأزمة المتفاقمة في مصر، برعاية إقليمية قادرة على دفع كافة الأطراف لتقديم خطوات إيجابية، والتراجع أيضاً بخطوات معقولة، تسمح للوصول إلى تهدئة الوضع في مصر وإستعادة أمنها، وإستقرارها، وحريتها، وهناك أفكار جادة يمكن تبينها لكن يبدو أن هذا الأمر لم يدخل بعد في قائمة أولويات الدول المركزية إقليمياً..وما زال مبكراً الحكم على الرغبة، والإرادة، في تحقيق هذا الهدف الذي ربما يتأخر لحين الوصول إلى نتائج مقبولة على الصعيد اليمني -على الأقل- لماذا خفتت الأصوات، التي تنادي بالمصالحة الوطنية، ولم تعد تصدر مبادرات جديدة؟ هل هذا يعني أنه لا خط رجعة، لقبول وطني لكل الأطراف السياسية؟! هذا الخفوت في تقديري ظاهرة صحية - الآن- لأنه يحملنا لمزيد من تأمل الأزمة على الصعيد المصري الداخلي.. خاصة وأن الأزمة أعتقد من أن تحل بفكرة، أو مبادرة شخصية، أو حزبية، حتى ولو اتسمت بالتوافقية، نحن بحاجة لجهد كبير "مؤسسى" قبل طرح فكرة أو مبادرة.. وكذلك نحن بحاجة لفهم دقيق لخلفيات وتعقيدات الأزمة الحالية.. فالأمر أكبر من تسوية سياسية، بين السيسي والأخوان، فهذا الفهم الضيق للأزمة، لا يخلو من الأختزال المخل بالحقيقة والتعامل من هذا المنطلق، لن يحقق نتائج تذكر.. وفي تقديري الشخصي نحن بحاجة لفهم ما يحدث في مصر الآن بوصفه أزمة مجتمعية شاملة تحتاج لعدة خطوات في إطار المصالحة الوطنية الواسعة بين قوى الجماعة الوطنية بمفهومها الواسع.. وربما تكون البداية الصحيحة هي توحيد قوى الثورة المصرية، في إطار مصالحة داخلية بين رموزها وشركاء هذه الثورة لتوحيد رؤيتهم وموقفهم.. ثم يلي هذا مصالحة بين قوى الثورة، ومؤسسات الدولة، فالجيش ليس السيسي فقط، والقضاء ليس أحمد الزند، والمؤسسة الدينية هي الأزهر والكنيسة، وليس شبح الأزهر، أو بابا الكنيسة، والأعلام ليس هو تلك الرموز الفجة الداعية للكراهية والأقصاء والعنف، لا بد من مصالحة تالية لمصالحة قوى الثورة مع المؤسسات، بغض النظرعن الخلاف مع بعض رموز هذه المؤسسات، وهو ما يمكن إعتبار التعامل معه هو المرحلة الثالثة في المصالحة الوطنية المرجوه، ويأتي هذا كله بعد توافق على تخفيف وتخفيض حدة الأستقطاب وخطاب الكراهية، الذي يروج له، في كل مكان، وعلى كافة الأصعدة، ومن كل الأطراف وفي ظل فهم لإحتياج مصر لإعادة ترميم الجماعة الوطنية المصرية، على خلفية قيم مشتركة، وإستحقاقات مطلوبة.. في ظل قواعد عدالة إنتقالية .. ولجان محايدة للبحث، وتحرى الحقائق، بعيداً عن روح وعقلية المعارك الصفرية. هل عاد المصريون – والشباب خصوصاً – إلى خانة اللامبالات بالشأن العام، وصار هناك قبول بالأمر الواقع؟! الناس مستقيلون من السياسة والشأن العام - دائماً - إذا شعروا أنهم خارج معادلة القرار السياسي ، أو أن أصواتهم لا تجدي، وأن إختياراتهم لا تحترم وهذا في تقديري ليس مقبولاً للأمر الواقع كما ترى، لكنه شكل من أشكال الإحتجاج الإجتماعي المصري.. فحتى التصفيق لحد الألم، لا يعبر عن الرضا، والمشكلة أن هذا الأحتجاج السلبي إذا لم يتم التعامل معه بجدية وفهم لمقاصدة قد يتحول في لحظة ما إلى إنفجار غير محسوب، وهو ما لا نتمناه.. وهو يحملنا دائماً للبحث عن مخارج عادلة وديمقراطية للأزمة ، بالصورة التي تؤدي لنتائج توافقية ومنضبطة بعيداً عن المفاجآت. كيف تقيم الأحزاب من قضية المشاركة في الإنتخابات البرلمانية القادمة؟ من حق أية حزب أن يتخذ القرار الذي يراه معبراً عن موقفه، ووجهة نظره، وأنا لا أخون أحد، أو أتهمه بالإنتهازية السياسية، لكني أرى أن الكثير من الأحزاب التي ستشارك وتساند الرئيس أملاً في تحقيق تمثيل مرضى في البرلمان، في ظل غياب قوى عديدة رئيسية، لن يتحقق لها هذا الرجاء/ أما عن موقف حزب غد الثورة فهو أننا نقاطع هذه الإستحقاق كما قاطعنا من قبل الإنتخابات الرئاسية لأننا لا نرى أن المناخ يسمح بالحد الأدنى من الحقوق والحريات الواجبة قبل الحديث عن برلمان .. وما هي فرص وجود معارضة حقيقية في البرلمان القادم.. لا ديموقراطية بلا ديموقراطيون.. ولا برلمان بلا معارضون، وبرلمان اللون الواحد، هو لجنة مشكلة بقرار إداري، حتى ولو جاءت عبر صناديق إقتراع ظاهرياً، أن البرلمان القادم، سيكون هو الأقصر عمراً، في تاريخ البرلمانات المصرية، والذين سيدخلون للبرلمان تحت لافتة تأييد السيسي- خاصة من بقايا الحزب الوطني الحاكم في زمن مبارك- سيتحولون لمراكز قوى في مواجهة السيسي في تكرار لحاله وصراع مراكز القوى في زمن السادات التي إنتهت بصراع معلن أدى لأحداث مايو 1971. ما هي الأخطاء التي لو كان تجنبها الأخوان لأستمروا في السلطة حتى اليوم؟ الكل أخطأ، وخطأ الكبير كبيراً، والصغير صغيراً، والأخوان يتحملون قدراً كبيراً من الأخطاء، أولها أنهم لم يكونوا جاديين (في البداية) في إدراك شراكة وطنية واسعة.. وإستخفوا بالآخرين، من شركاء الثورة، ثم لم يكونوا موفقين في مرحلة أخرى في لملمة شمل الثورة. وعلى الجانب الآخر كان هناك أخطاء أخرى لا تقل خطورة، بل وخطايا..ولكن أعتقد أن الذي يحدث الآن أكبر من كل الأخطاء والخطايا. هل انتهى مستقبل أيمن نور السياسي؟ أولاً المستقبل بيد الله، فعندما واجهت وزير الداخلية الأسبق زكي بدر، في معركة استمرت لسنوات في الثمانيات قال البعض أن هذه المعركة تهدد بنهاية مستقبلي السياسي، ورحل الرجل، ودخلت البرلمان كأصغر برلماني سناً في تاريخ مصر، وعندما نافست مبارك في أول إنتخابات رئاسية مصرية، وحللت ثانياً، ثم حللت سجيناً لخمسة سنوات، قال البعض نفس المقولة، وخرج مبارك من السلطة، وكنت أول من دعى للثورة.. وللأن يطرح البعض نفس السؤال هل انتهى مستقبل أيمن نور وأقول لا أظن لأن أيمن نور الذي كان رمز للشجاعة في زمن الجبن، هو الآن رمز للعقل في زمن الجنون. متى تعود لمصر؟ عودتي لمصر قريبة وخلال عام 2015 – إن شاء الله – فأنا ليس لدي أي سبب قانوني يمنعني من العودة، لكني أتمنى أن تكون هذه العودة أضافة لمسار وتيار الإعتدال والوسطية، ولا تحرمني السلطات، من أن يكون لي رأيي ودوري، وفقاً لوجهة نظري .. وما أراه أن السلطات غير راغبة في هذه العودة، ودليلي على ذلك أنني منذ أسابيع قليلة، فقدت جواز سفري، وطلبت من السفارة - كأي مواطن - إستخراج جواز بديل إلا أن السفارة رفضت هذا، بعد مراجعة جهات سيادية في مصر، واعتبرت أن هذا الرد من القاهرة رسالة واضحة، أن الذين يحكمون غير راغبين في عودتي الأن لمصر.. وربما يكون التوقيت الأفضل بعد الإنتخابات البرلمانية مثلاً.. إن شاء الله..