أكد معالي الدكتور نايف فلاح مبارك الحجرف، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أن المجلس يشكل عامل استقرار وتوزان ثابت ورئيس في المنطقة، انطلاقاً من الدور الإيجابي والمهم الذي اضطلع به على مدار أربعة عقود كاملة في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، جعل من خلالها إسهاماته عاملاً إيجابياً في دعم جهود المجتمع الدولي في العديد من الملفات المهمة وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، بينما كان المجلس بدعم دوله الأعضاء مصدر عون لجميع شعوب العالم وقتما وأينما احتاجت المساعدة.
جاء ذلك خلال جلسة حوارية رئيسية تضمنتها أعمال الدورة التاسعة عشرة لمنتدى الإعلام العربي والتي عقدت اليوم (الأربعاء) افتراضياً في دبي تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، واستضافت عبر تقنية الاتصال المرئي معالي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ضمن جلسة حاورته فيها عن بُعد الإعلامية في مؤسسة دبي للإعلام نوفر رمول.
وفي حديثه أمام المنتدى الذي عُقدت دورته الافتراضية تحت شعار "الإعلام العربي.. المستقبل رقمي"، وحول الدلالات التي يحملها استقرار دول الخليج العربية وتناسق مواقف أغلب دولها بما يمثل أرضية صلبة للمنطقة العربية والإقليم، قال معالي الحجرف إننا نعيش في وقت حافل بالمتغيرات والعديد من المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، فيما يشكل الخليج العربي أهمية استراتيجية كبيرة نظراً لكونه شرياناً حيوياً لإمدادات الطاقة، حيث قامت دول مجلس التعاون بدور مسؤول في الحفاظ على تدفقات إمدادات الطاقة رغم كل الظروف طوال أربعين عاماً، لذا فليس من المُستغرَب أن يشكل هذا الانسجام بين أعضاء المجلس ركيزة أساسية في تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره.
آفاق السلام
وعن أثر هذا التناغم في تحريك مياه السلام الراكدة في المنطقة على مدى أكثر من ربع قرن من الزمان، في ضوء معاهدات السلام الموقعة مؤخراً مع إسرائيل، أكد معالي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية موقف دول المجلس الثابت والداعم للحق الفلسطيني، وهو ما تم تأكيده عبر مختلف قمم دول مجلس التعاون، انطلاقاً من قناعة راسخة بأهمية دعم حق الشعب الفلسطيني وفقاً لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمرجعيات المُتفق عليها في هذا الخصوص.
وأكد معاليه أن دول المجلس طالما نادت بأن يعم السلام العالم أجمع، وليس المنطقة فحسب، نظراً لكون السلام يتيح الفرصة للتنمية والتركيز على بناء المجتمعات ودعم الشباب وكذلك التركيز على كافة الخطط والمشاريع التنموية التي تنعكس إيجاباً على حياة الشعوب، وهي أمور تتطلب بالتأكيد توفر مقومات الأمن والاستقرار، مشيراً إلى إيمان دول مجلس التعاون بحق جميع الشعوب في العيش بسلام، وأن علاقتها تُبنى من منطلق الدعوة أن يعم السلام العالم أجمع.
ونوّه معالي الدكتور نايف الحجرف أن الخطوات التي تم اتخاذها مؤخرا في المنطقة في مضمار السلام هي محل كل تقدير، مُذكّراً بمبادرة السلام العربية التي قدّمها العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، عندما كان ولياً للعهد وطرحها في القمة العربية في بيروت عام 2002، وهي تعكس الموقف الإجمالي للدول العربية تجاه السلام المنشود في المنطقة، مشيراً إلى أن المبادرة لا تزال قائمة وترتكز على حل الدولتين، وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة في إطار حدود يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، علاوة على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وغيرها من بنود تضمنتها المبادرة العربية للسلام، مشيراً إلى أنه على إسرائيل إعادة النظر في هذه المبادرة التي تمثل سبيلاً لإقامة سلام شامل في المنطقة.
صلابة في مواجهة التحديات
وفي رد على سؤال حول دور التناغم الذي يجمع أغلب أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية في التصدي للتحديات والأطماع المحيطة بالمنطقة، بما في ذلك خطر الإرهاب الذي يشكل اليوم عامل تهديد للعالم أجمع، استعرض معالي الحجرف سلسلة من المحطات المهمة في تاريخ المجلس الذي جاء انطلاقه متزامناً مع اندلاع الثورة الإيرانية وكذلك مع الحرب العراقية الإيرانية، حيث تمكّن المجلس في العقد الأول من عمره أن يتغلب على هذه التحديات الأمنية التي شكلت تهديداً مباشراً للكيان الخليجي الوليد.
وفي العقد الثاني من عمره، كان الغزو العراقي لدولة الكويت، وهي عضو مؤسس في مجلس التعاون، وكان هذا أول اختبار حقيقي لمنظومة مجلس التعاون ومدى قدرتها على التعاطي مع هذا التحدي وتجاوزه، وقد نجح المجلس في تخطي هذه المحنة بالغة الصعوبة بفضل المواقف الحكيمة والقرارات السديدة لقادة دول المجلس، وما تلا الغزو من تداعيات كبيرة استغرقت سنوات طويلة لتجاوزها.
وقال معالي نايف الحجرف إنه في بداية العقد الثالث من عمر مجلس التعاون، أفاق العالم على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقد وقف مجلس التعاون لدول الخليج العربية بكل صلابة مع المجتمع الدولي في التصدي لظاهرة الإرهاب والتعاون من أجل تجفيف منابعه، وأثبت أن الإرهاب ليس له دين ولا حدود ولا هوية، كما أن بعض دول المجلس تضررت من هذه الظاهرة الخطيرة ضمن حوادث متفرقة، فيما جاءت بدايات العقد الرابع من عمر مجلس التعاون متزامنة مع ما سُمي بالربيع العربي، الذي ما تزال تداعياته مستمرة في بعض الدول العربية حتى اليوم، حيث تمكن المجلس عبر تلك المواقف والتحديات أن يحافظ على تماسكه وأن يتجاوزها بثبات ومسؤولية، وخرج منها وهو أشد مَنَعة وأقوى عزيمة بما يدعم النظرة المستقبلية للمجلس التي تتطلب قدراً كبيراً من الثبات والتكاتف والتنسيق للوفاء بمتطلبات التنمية في المراحل المقبلة.
وأشار المسؤول الخليجي رفيع المستوى أن دول المجلس مقبلة على أهداف في غاية الأهمية، حيث اُختتمت في شهر نوفمبر الماضي رئاسة المملكة العربية السعودية لمجموعة العشرين، وهي المهمة التي أثبتت فيها المملكة مكانتها واستحقاقها الكامل للريادة من خلال قيادة أعمال المجموعة في هذه الفترة بالغة الصعوبة، بما تمثله المملكة من ثقل اقتصادي وسياسي على الصعيدين الإقليمي والدولي، في الوقت الذي تستعد فيه دولة الإمارات لاستضافة "إكسبو 2020" ونثق في قدرة دبي على إبهار العالم بدورة تاريخية لهذا الحدث العالمي الضخم الذي يمثل قدراً كبيراً من الأهمية الاستراتيجية للإمارات والمنطقة، وهي كلها أمور ترتبط بمساعي دول المجلس إلى تحقيق التنمية والريادة في مختلف المجالات، وهو دليل على أن دول مجلس التعاون تتجاوز التحديات وتبني المستقبل في آن واحد.
الإعلام العربي
وفي إجابته على سؤال عن حال الإعلام العربي الذي يعكس واقع المنطقة حيث يوجد إعلام معتدل وتنموي وتصالحي، وعلى الجانب الآخر يوجد إعلام مُحرّض على الفتنة، قال معالي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية إن هناك مقولة عربية قديمة مؤداها أن "آفة الأخبار رواتها"، وأن وسائل الإعلام في هذا الزمن على تنوعها هي التي تتولى رواية الأخبار، مؤكداً أن الوسيلة الإعلامية التي تصون مصداقيتها وتحافظ على مهنيتها ورسالتها الإيجابية لها كل الاحترام والتقدير والإجلال، وأن مثل تلك الوسائل عديدة في المنطقة، إلا أنه في عصر السماوات المفتوحة وبفضل التقدم التكنولوجي الهائل، ظهر نوع جديد من الإعلام غير التقليدي، وهو يعمل بدوافع شخصية وفردية، ويبتعد عن الشكل المؤسسي للإعلام كما عرفناه إلى عهد قريب.
وأعرب معاليه عن تقديره لاختيار منتدى الإعلام العربي موضوع هذه الدورة لإلقاء الضوء على التحديات التي تواجه الإعلام في المنطقة بشقيه التقليدي والجديد، مشيراً إلى حاجة الإعلام التقليدي إلى مواكبة المستجدات من أجل الحفاظ على تواجده، بينما يرى أن الإعلام الجديد في حاجة إلى الحفاظ على الثوابت المهنية والتمسك بالمصداقية والموضوعية، موجهاً الدعوة إلى القائمين على الإعلام العربي لمضافرة الجهود من أجل وضع إطار شامل يحكم العمل الإعلامي في المنطقة لمساعدة مؤسساته على التغلب على التحديات التي سيكون عليها مواجهتها في المرحلة المقبلة، خاصة في ضوء المتغيرات الديموغرافية التي يشهدها العالم العربي مع زيادة تأثير قطاع الشباب في المشهد العربي والخليجي، معرباً عن أمله أن يكون منتدى الإعلام العربي هو المنصة التي سينطلق منها مثل هذا الإطار الإعلامي الشامل قريباً.
وعن الدروس المستفادة من عام 2020 بكل ما حمله من تحديات صعبة للمنطقة وللعالم أجمع، قال معالي الدكتور نايف الحجرف أن الدرس الأهم المُستفاد من عام 2020 هو أن الشعوب لا يمكنها أن تواجه التحديات فُرادى، وأن التعاون هو السبيل الوحيد لتخطي المواقف الصعبة، حيث أثبت العالم في مواجهة وباء كورونا المستجد أن العمل الجماعي يمكن أن يكون السبيل للتغلب على التحديات، مؤكداً أن العالم ربما يشهد في المستقبل مواقف صعبة مماثلة إلا أن وباء كورونا ترك آثاراً عميقة في حياة الناس بل غيرها إلى حد كبير، ما يفرض ضرورة العمل الجماعي من أجل الاستعداد لما قد يتكشّف من تداعيات الجائحة ولما قد يأتي على شاكلتها في المستقبل من أزمات لا سبيل لتجاوز آثارها إلا بتضافر الجهود.
وقد شهدت فعاليات الدورة التاسعة عشرة لمنتدى الإعلام العربي تغطية مباشرة لجميع جلساته والتي تخللها حفل جائزة الصحافة العربية، عبر مختلف المنصات الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي التابعة لنادي دبي للصحافة وعلى الموقع الإلكتروني للنادي ولمنتدى الإعلام العربي، حيث تجاوز عدد المتابعين أكثر من 10 آلاف متابع على تويتر لايف، وفيسبوك لايف، وانستجرام لايف، بالإضافة إلى المنصة الرسمية الخاصة للدورة الافتراضية للمنتدى هذا العام، ليرسّخ المنتدى مكانته كأكبر حدث سنوي للوقوف على حال الإعلام العربي، حيث شكلت التغطية الواسعة للمنتدى على مختلف المنصات الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي تجربة تفاعلية فريدة في مجالات الابتكار الإعلامي، وصورة واقعية لما يمكن أن يصبح عليه الإعلام العربي في المستقبل.