استضاف "منتدى الإعلام العربي" ضمن أعمال دورته التاسعة عشرة التي نظمها "نادي دبي للصحافة" اليوم (الأربعاء) افتراضياً، برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وبحضور سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس دبي للإعلام، عن بعد عبر تقنية الاتصال المرئي، الكاتب الأمريكي المعروف توماس فريدمان، من خلال جلسة حوارية أدارتها الإعلامية زينة يازجي من قناة "الشرق"، حيث ناقشته حول عدد من الموضوعات المهمة المرتبطة بواقع ومستقبل الشرق الأوسط في ضوء المتغيرات التي تشهدها المنطقة، مع انتهاء ولاية الرئيس دونالد ترامب، وقرب دخول الرئيس المُنتخَب جو بايدن إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض.
وحول توقعاته لمستقبل عملية السلام في المنطقة في ضوء اتفاقات السلام الموقّعة مؤخراً بين عدد من الدول العربية، بما فيها دولة الإمارات العربية المتحدة، وإسرائيل، أكد توماس فريدمان في إجابته أن دولة الإمارات بسياستها الحكيمة ورؤيتها المستشرفة للمستقبل، كان لها فضل كبير في هذا التحرك نحو إقرار السلام في المنطقة، وقدّمت النموذج في الحرص على أمن واستقرار شعوب المنطقة وإيجاد الضمانات اللازمة لتقدمها وازدهار مستقبلها، دون إخلال بدعمها للحقوق الفلسطينية المشروعة التي طالما ساندتها في كل الأوقات.
وأوضح فريدمان أن إدارة الرئيس بايدن تدرك تماماً أهمية الحفاظ على أمن واستقرار المملكة العربية السعودية، وهو ما يشكل أحد أولويات الإدارة الأمريكية، مشيراً إلى أن هناك العديد من العوامل التي ستسهم في تشكيل مسار السلام في المنطقة خلال المرحلة المقبلة، مع مراعاة المصالح الوطنية لكافة الأطراف.
وفي سؤال عن مستقبل القضية الفلسطينية، وإذا ما كان خيار الدولتين قد بات بعيد المنال، قال فريدمان إنه لا يستطيع أن يجزم بذلك نظراً للانقسام الحالي داخل القيادة الفلسطينية بين رام الله وغزة، وهو ما يؤدي إلى غياب القرار الفلسطيني الموحّد، معرباً عن قناعته أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ربما بات مدركاً أن منطقة الشرق الأوسط قد دخلت الآن إلى مرحلة جديدة كلياً، وربما يكون ذلك دافعاً لمزيد من الانفتاح من الجانب الفلسطيني، إلا أن الانقسام في عملية صنع القرار قد تؤثر بصورة كبيرة في ذلك الأمر، فيما سيشكل غياب حل الدولتين مشكلة كبيرة أيضاً بالنسبة للحكومة الإسرائيلية بسبب الضغوطات التي ستواجهها في الداخل جراء المتطلبات التي سيكون على الحكومة تلبيتها لصالح الفلسطينيين، لتتحول بذلك إلى معضلة داخلية أكبر من كونها مشكلة إقليمية.
نهج غير مسبوق
وفيما يتعلق بتقييم توماس فريدمان لأسلوب الرئيس دونالد ترامب في التعامل مع منطقة الشرق الأوسط خلال فترة رئاسته، قال الصحافي الأمريكي المتخصص في شؤون المنطقة إن الرئيس ترامب أقدم على أشياء لم يكن لها سابقة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أطلق العنان لزوج ابنته ومستشاره جاريد كوشنر للتصرف بحرية كاملة في إدارة العلاقات مع المنطقة، ضارباً عرض الحائط بكل الأعراف الدبلوماسية الأمريكية، وقال إنه على الرغم من نجاح هذا الأسلوب في تسريع وتيرة الاتصالات مع المنطقة فيما يتعلق بعملية السلام، إلا أنه يشكل نهجاً غير مسبوق ينافي الأعراف الدبلوماسية المُتبعة على مر التاريخ في بلاده.
وعن توقعاته للأسلوب الذي سيتبعه الرئيس المُنتخَب جو بايدن في إدارة علاقات بلاده بالمنطقة العربية، أعرب توماس فريدمان عن اعتقاده أنه في ضوء الأحداث التي شهدها العالم على مدار العقود الماضية، بما في ذلك أحداث الحادي عشر من سبتمبر وثورات ما يعرف بالربيع العربي، وغيرها من متغيرات عميقة التأثير، فمن المُرجّح أن تتبنى الولايات المتحدة موقفاً متحفظاً نسبياً مقارنة بأسلوبها سابقاً، وبدلاً من التدخل المباشر في شؤون المنطقة، ربما ستسعى الإدارة الأمريكية الجديدة إلى البناء على ما يتم تحقيقه من إنجازات في المنطقة سواء على مستوى ملف السلام الشرق أوسطي أو غيرها من ملفات حيوية، والمساهمة في تعزيز الجهود التي تبدأ بمبادرات نابعة من داخل المنطقة ذاتها.
وأوضح فريدمان أن الحديث عن إرث الرئيس ترامب أمر صعب ومُعقّد للغاية لكونه أخل بالعديد من الأعراف الديمقراطية في بلاده، فيما لم تخلْ فترة رئاسته من إنجازات يُعتد بها. أما بشأن السياسية الخارجية، فإنه سيترك لخليفته في الرئاسة الأمريكية جو بايدن ملفين مهمين يشكلان الجانب الأكبر من الصورة الكلية في هذا الصدد، أولهما: العلاقات مع الصين لاسيما فيما يتعلق بالجانب التجاري والتعرفة الجمركية المفروضة الآن على أكثر من نصف المنتجات التي تصدّرها الصين للولايات المتحدة، ومحاولات أمريكا الضغط على الصين لإقناعها بالعدول عن سياساتها المنغلقة واستبدالها بمزيد من الانفتاح الاقتصادي والتجاري على العالم، أما الملف الثاني فهو الملف الإيراني في ضوء قرار الرئيس ترامب الخروج من الاتفاق النووي معها وفرض عقوبات جديدة عليها.
الملف الإيراني
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية في ظل إدارة الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية، وعن التحول الذي قد يحدث فيما يخص الملف الإيراني، قال الكاتب الأمريكي إن موقف الرئيس بايدن "اليوم"، - مؤكداً على كلمة "اليوم" - هو استعداد الولايات المتحدة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران إذا ما قبلت طهران العودة إلى الاتفاق، معرباً عن قناعته أن الرئيس بايدن سيأخذ في الاعتبار العديد من المعطيات الإقليمية والمتغيرات التي شهدتها المنطقة على مدار السنوات الأربع الماضية، وطبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة ومختلف الأطراف ذات الصلة في المنطقة، وقال إن على المنطقة التريّث قليلاً قبل إصدار أية أحكام فيما يتعلق بهذا الشأن، لاسيما وأن هناك العديد من الاعتبارات التي سيأخذها الرئيس الجديد في الحسبان مع توليه مهام منصبه، وأن الأمور قد تستغرق بعض الوقت حتى تتضح الصورة كلياً في هذا الخصوص.
وفيما يرتبط برؤيته لمستقبل إيران، وصف فريدمان النظام الإيراني بأنه "كارثي" إذ فوّت على شعبه العديد من الفرص؛ مشيراً إلى أنه شعب ذكي وله حضارة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ ولديه موارد طبيعية هائلة، وهي أمور تؤهله ليكون في مكانة أفضل اليوم لولا السياسة الإيرانية التي طالما ركزت على إضرام نيران الصراع الشيعي السني في عدد من دول المنطقة، وقال إن التغيير الأعظم في منطقة الشرق الأوسط هو القناعة الجديدة السائدة هناك بأن الأجندات السابقة جميعها غير ذات جدوى، وأن المستقبل يحتاج إلى فكر جديد ورؤية أكثر انفتاحاً.
من ناحية أخرى، أكد الكاتب الأمريكي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط توماس فريدمان أن سوريا تشكل حجر زاوية مهم لأمن واستقرار المنطقة، وقال إنه لو كان في موقع اتخاذ القرار الأمريكي لاختار أن تكون إعادة سوريا إلى الصف العربي في مقدمة أولوياته، معرباً عن قناعته بالتباين بين أجندتي كل من روسيا وإيران في المنطقة، وأن روسيا هدفها استقرار سوريا، فيما يتركز هدف إيران هناك على استغلال الأراضي السورية كقاعدة للمواجهة مع إسرائيل، وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ربما سيسعى للعمل مع الرئيس جو بايدن لإيجاد حل للصراع في سوريا وإقرار السلام فيها.
الشأن الأمريكي الداخلي
ورداً على سؤال حول رؤية فريدمان لما يمكن أن يكون عليه أسلوب عمل الإدارة الأمريكية مع تولي الرئيس بايدن مهامه الرئاسية، لاسيما فيما يتعلق بالشؤون الداخلية، قال إن الناخبين الأمريكيين من أصول أفريقية في ساوث كارولينا هم الذين منحوا جو بايدن الفرصة للوصول إلى سدة الحكم، وذلك لقناعة الناخب الأمريكي هناك أن الولايات المتحدة عانت طوال السنوات الأربع الماضية من حالة شديدة من الانقسام، وأن البلاد أصبحت في حاجة لمن يزيل أسباب هذا الانقسام، وقال إنه من خلال معرفته الشخصية بالرئيس المنتخب جو بايدن فإنه يدرك أن من أهم سماته أنه يتمتع بشعبية كبيرة وحب مماثل من الناس، في وقت تسود فيه مشاعر الكراهية المجتمع الأمريكي، ما يؤهله لتولي مسؤولية رأب الصدع وإعادة الأمور إلى نِصابها، وهي مهمة وصفها بالصعبة نظراً لحالة الانقسام الحاد التي تهيمن على المجتمع الأمريكي في هذه الآونة.
وبالنسبة لتقييمه للتوقعات التي تشير إلى سير الرئيس بايدن على خطى الرئيس باراك أوباما، وهو ما يتضح من خلال اختيارات الرئيس بايدن لفريق إدارته، قال توماس فريدمان إن هذا أمر طبيعي، واختيارات الرئيس بايدن في واقع الأمر تعود إلى احتياجه لفريق قادر على مواجهة المهمة الكبيرة التي تنتظره والإصلاحات التي يتطلع إليها الشعب الأمريكي، فضلاً عن رغبة الرئيس بايدن بالاستعانة بأناس يثق في خبرتهم وقدرتهم على التصدي للمهام الصعبة التي تنتظرهم من اليوم الأول، وقال لا يمكن الدفع بأن أداء إدارة الرئيس بايدن سيكون مماثلاً لأداء إدارة الرئيس أوباما، مؤكداً أن العالم قد شهد تغيرات عميقة على مدار السنوات الأربع الماضية، وأن العالم الذي ستمارس الإدارة الجديدة عملها فيه هو عالم جديد كُليّاً.
يُذكر أن الكاتب الصحافي توماس فريدمان هو أحد أبرز الكتاب الصحافيين في الولايات المتحدة الأمريكية وله عمود ثابت في صحيفة "النيويورك تايمز" وهو حائز على جائزة "بوليتزر"، أهم جوائز الصحافة العالمية، لثلاث مرات، ومعروف بكتاباته التحليلية في العديد من الموضوعات التي تدور أغلبها في فلك السياسة الدولية، والتجارة العالمية والشؤون البيئية، وهو أيضاً من أكثر الكتاب العالميين قراءةً للمشهد السياسي والتحولات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط.
وكانت الدورة التاسعة عشرة لمنتدى الإعلام العربي قد عُقدت اليوم (الأربعاء) افتراضياً في دبي عبر تقنية الاتصال المرئي بمشاركة نخبة من القيادات الحكومية والإعلامية ورموز الفكر والثقافة والكتاب ورؤساء وكالات المعلومات والأخبار والمؤسسات الصحافية والتلفزيونية والإذاعية ومسؤولي المواقع الإلكترونية الإعلامية العربية والعالمية.
وقد تم نقل فعاليات الدورة التاسعة عشرة لمنتدى الإعلام العربي عبر تغطية مباشرة لجميع جلساته والتي تخللها حفل جائزة الصحافة العربية، على مختلف المنصات الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي التابعة لنادي دبي للصحافة وعلى الموقع الإلكتروني للنادي ولمنتدى الإعلام العربي، حيث تجاوز عدد المتابعين أكثر من 10 آلاف متابع على تويتر لايف، وفيسبوك لايف، وانستجرام لايف، بالإضافة إلى المنصة الرسمية الخاصة للدورة الافتراضية للمنتدى هذا العام، ليرسّخ المنتدى مكانته كأكبر حدث سنوي للوقوف على حال الإعلام العربي، حيث شكلت التغطية الرقمية الواسعة للمنتدى تجربة تفاعلية فريدة في مجالات الابتكار الإعلامي، وصورة واقعية لما يمكن أن يصبح عليه الإعلام العربي في المستقبل.