كلما ازدادت «عاصفة الحزم» قوة، سياسيًا وعسكريًا ودبلوماسيًا، جُنّ جنون النظام الإيراني، وأظهر عداءه الحقيقي مع السعودية، وحسنًا فعل الرئيس حسن روحاني بقطعه كل الحبال، المهترئة أصلاً، بين بلاده والرياض، بعدما اتهم السعودية، زورًا وبهتانًا، بـ«قتل الأطفال» وزراعة «بذور الكراهية» في اليمن. حسنًا فعل وهو يعيد إنتاج اتهامات المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، عندما ساق هو الآخر اتهامات كاذبة، معتبرًا «عاصفة الحزم»، الموجهة ضد حليفه ووكيله الحوثي، «حرب إبادة»، فالنظام الإيراني يومًا بعد الآخر يكشف عن وجهه الحقيقي، الذي حاول روحاني مستميتًا تجميله باعتباره الرئيس «الإصلاحي»، متظاهرًا بأنه يختلف جذريًا عن سلفه أحمدي نجادي. الشكل العام للسياسة الإيرانية يمكن أن يصيبه شيء من التغيير، أما المضمون فهو ثابت على خط المرشد الأعلى. ألا يخجل روحاني بتمثيله دور الحمل الوديع، وهو يطلق اتهامات غير مسبوقة، بينما بلاده تشارك في قتل 300 ألف إنسان وتهجير 13 مليونا آخرين في سوريا؟ ألا يناقض نفسه وميليشيا الحشد الشعبي الطائفية المدعومة من إيران تمارس انتهاكات خطيرة في ديالى وسامراء وجنوب بغداد؟ النظام الإيراني وبعد اعترافه بنفوذه على جماعة الحوثيين، أصابه السعار نظرًا لإفشال السعودية لخطته في استنساخ تجربة ميليشيا الحشد الشعبي في اليمن، لذلك لا يجد النظام الإيراني غير السعودية لتوجيه الاتهامات والإساءات، وهذا أمر مفهوم، فالمملكة هي الوحيدة التي كانت وما زالت، وحيدة تقريبًا، واقفة بصلابة ضد المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة، وهي الوحيدة التي لم تخدع يومًا بدعاوى التقارب التي يروّج لها النظام، حتى في ظل تحسّن طفيف للعلاقات السعودية الإيرانية خلال فترتي الرئيسين خاتمي ورفسنجاني، تعاطت الرياض بحذر بالغ، ولم تندفع في تقوية العلاقات، لعلمها جيدًا أن بنية النظام الإيراني لا يمكن الوثوق بها إطلاقًا. في ديسمبر (كانون الأول) عام 2013 عقب وصوله رئيسًا لبلاده، كتب روحاني مقالاً يستعرض فيه سياسته الخارجية، ناور في ثناياه، وحاور وراوغ كما لا يفعل أكثر اللاعبين المحترفين في العالم، واستخدم عبارات يمكن فهمها من رئيس دولة مثل سويسرا وليس إيران، مثل قوله إن بلاده تمثل «صوت الاعتدال» في المنطقة، و«نحرص على تجنب المواجهة والعداوة»، و«ملتزم بالاعتدال والحس السليم»، مختصرًا رسالته الموجهة للغرب أساسًا: «نحن طيبون لكن ظنونكم سيئة. نحن المعتدلون وليس العرب الخليجيين المتطرفين. أين الالتزامات التي وعد بها روحاني من اتهاماته السخيفة ضد السعودية، والتي لا يمكن وصفها إلا بالرعونة وعدم الحصافة والغباء السياسي، فالمشكلة في صنعاء، والمدافع الكلامية تنطلق من طهران. المعركة على الحدود السعودية اليمنية، ولا توجد تغيرات جغرافية ربطت الحدود الإيرانية باليمنية. يحق لنا أن نشكر النظام الإيراني الذي أفرز لنا رئيسًا كحسن روحاني. منذ اختياره رئيسًا لبلاده وهو يقود عملية تسويق خارجية كبرى، باعتباره الرئيس المنفتح والحريص على علاقات بلاده مع الجيران، والحقيقة أنه بلغ من العداء ما لم يبلغه حتى الرئيس المتهور أحمدي نجاد. فعلاً.. أن يكون العداء الإيراني للسعودية واضحًا ومباشرًا وصريحًا، أفضل مليون مرة من أن يكون بالخفاء. يقال: عدو عاقل أفضل من صديق جاهل. فما الحيلة إذا صار عدوك جاهلاً، هكذا هم رؤوس النظام الإيراني، وهكذا هو الرئيس العدواني حسن روحاني. *نقلاً عن "الشرق الأوسط"