يعتبر الكثير من الفلاسفة أن تحقيق السعادة هي الغاية من كل شيء، وقد يقول البعض إذا كان الأمر كذلك، فهذا شيء سهل ولا يحتاج إلى الكثير من الفلسفة والتعب، فقط يستطيع الإنسان أن يحقق سعادته بأن يبتعد عن مسببات الألم، وأن يسعى خلف مصادر اللذة.. هذا بالطبع ممكن، لكن كما عرفنا في تقرير سابق بعنوان "لماذا أبدو تعيسا طوال الوقت ودون داعي" نشرته الرياض بوست، أنه هناك عوامل فسيولوجية تؤثر على شعورنا بالسعادة أو الكآبة دون أن نعي سببها الحقيقي. هناك هرمون كالسيروتونين الذي يتسبب نقصه في المخ إلى إعتلال المزاج، والميل إلى الكآبة. ليس هذا فحسب فهناك الاحتياجات الجسدية والنفسية والاجتماعية التي إذا لم يلبها الفرد بترتيب معين ربما يعاني من التعاسة دون أن يدري، بل ويسبب لنفسه المزيد من التعاسة وهو يحاول أن يتجنبها. لعل عالم النفس الأمريكي الشهير قام أبراهام ماسلو الذي صاغ نظرية فريدة في علم النفس حلل من خلالها طبيعة الدوافع أو الحاجات التي تحرك السلوك الإنساني وتشكّله. في هذه النظرية، يفترض ماسلو أن الحاجات أو الدوافع الإنسانية تنتظم في نظام متصاعد من حيث الأولوية وشدة التأثير، وعلى شكل هرمي سمي "بهرم ماسلو" أو "تسلسل ماسلو" لسد الاحتياجات. واعتبر العالم أن الحاجات غير المشبعة لمدد طويلة قد تؤدي إلى إحباط وتوتر حاد قد يسبب آلاماً نفسية. ويقسم هذا الهرم إلى مراتب قاعدتها الاحتياجات الفسيولوجية، فوقها احتياجات الأمان، بعدها الاحتياجات الاجتماعية، ثم الحاجة للتقدير، وفي قمة الهرم الحاجة لتحقيق الذات. وعلى الإنسان أن يحقق احتياجاته بدءا من القاعدة وصولا إلى القمة وليس العكس، لتحقيق ساعدته المنشودة، لذا عليه أولا أن يلبي حاجات التنفس والـطعام والماء والجنس والإخراج والنوم، متجنبا بهذا الهوس باشباعها بعد الكبت الطويل. ثم يلتفت بعد هذا إلى سلامته الجسدية وأمنه الوظيفي والموارد والممتلكات والأمن المعنوي والنفسي والأسري والصحي. وإلا عاش مضطربا وغير قادرا على الإنجاز. وما أن يشبع الإنسان حاجاته الشخصية سواء فسيلوجية أو نفسية سيرغب في الانتماء إلى مجموعة اجتماعية كالنوادي والجماعات الدينية، والفرق الرياضية، أو الأسرة والشركاء الحميمين، والمعلمين، والزملاء المقربين، كذلك تظهر الحاجة إلى الحب من الآخرين، وفي غياب هذه العناصر الكثير من الناس يصبحون عرضة للقلق والعزلة الاجتماعية والاكتئاب. ثم يتوج الفرد حاجاته بالإحساس بالتقدير من الآخرين، والاحترام، وربما القوة والسلطة، وعلى القمة يمكنه الابداع بتعظيم قدراته ومهاراته وتعزيز فرصه المحتملة. لعل هذا الترتيب يشرح لنا ما الذي ينقصنا كأفراد لنحقق ساعدتنا، ويفسر لماذا تعاني مجتماعتنا التي ينقصها الكثير من احتياجاتها الأساسية.