الانقسام حول مفاعيل الانتصار في معركة «جسر الشغور»، طبيعي وحقيقي، بين أقصى التفاؤل الى درجة جعل الانتصار وكأنه العبور على «الجسر« الى الانتصار الشامل على النظام الأسدي، والواقعية الشديدة التي تجعل منه «العبور» نحو مفاوضات جدية تنهي الرئيس بشار الأسد وعائلته والمجموعة المافياوية المحيطة به. لا شك، أن سقوط «جسر الشغور» يثبت نقطة أساسية وهي حصول انهيار عسكري أسدي واضح بعد أربع سنوات من القتال. من المؤكد أن جملة أسباب متكاملة أنتجت هذا الانتصار الاستراتيجي الى حدٍّ ما، بسبب الموقع الجغرافي «للجسر» على طول الجبهة، ووضع اللاذقية وجوارها في «فم» مدافع المعارضة. لذلك يبدو السؤال حول الأسباب التي أنتجت هذا الانتصار وارتداداته العسكرية والسياسية أكثر من شرعي وهو ضروري لمعرفة التضاريس الكاملة لخريطة المستقبل. مهما بالغ «الأسديون« في النفي، فإن النظام الأسدي تعب وهو يعمل جهده للمحافظة على تماسكه. وهو تعب، لأنه نظام أكل «أبنائه» واحداً بعد الآخر، وبلا رحمة. عندما يصل الخوف والقلق من ضابط مثل رستم غزالي وتتم تصفيته، يعني أن النظام فقد ثقته بنفسه الى درجة تفجيره لجسور الثقة بالآخرين. عندما يقف رأس النظام وحيداً فإنه بلا شك سيندم. الأساس في هذا التعب المتزايد، أن الآلة العسكرية فقدت الكثير من الرغبة في القتال دفاعاً عن نظام انتهى، وأن نسبة التجنيد قد تراجعت كثيراً، والأهم والأخطر أن عدم الرغبة في التجند الى درجة الهروب من الخدمة قد وصلت الى الشباب العلوي الذين شكلوا حتى الآن «الخزان البشري» للنظام. مشكلة المؤسسة العسكرية والطائفة العلوية معاً، أن البديل للنظام هي المشكلة. ليس أصعب من أن تقول لخائف لا تخف. المكونان الأساسيان للنظام يريدان ضمانات بأن نهاية الأسد لا تعني «الاعتداء» عليهم وجوداً قبل أن يكون كما في السابق «سلطوياً». يجب العثور على صيغة تنقذ ما تبقى من الجيش الضامن الوحيد لبقاء سوريا موحّدة وواحدة. هذا التراجع في التجنيد متزاوج بأزمة اقتصادية تزداد حدّةً وتجعل من كل سوري يتساءل ماذا عن الغد. لم تعد الهجرة مقتصرة على الفقراء. لقد وصلت الى الأغنياء ومن الحلقات الضيقة للنظام. إن معركة «جسر الشغور»، أكدت وصول أسلحة حديثة للمعارضة، لكن الأهم أن عملية توحيد لفصائل صغيرة في فصيل واحد قد نجحت وهي تمهّد لعمليات توحيدية في جبهات أخرى، تجعل من التنسيق الموحد طريقاً لربح معارك أخرى. ليس بالضرورة أن تكون المعارك القادمة رابحة على طريق الانتصار الكبير، وإنما قد تكون لفتح مسار مفاوضات جدية وحقيقية نحو التغيير الشامل. المفاوضات لن تكون سورية سورية فقط. توجد القوى الاقليمية والدولية. لم يعد ممكناً إلغاء أي طرف من الأطراف في المفاوضات. من الطبيعي في الحالة السورية أن تطالب كل قوة بأقصى ما تأمله للحصول على أقصى ما يمكنها. سواء أكانت موسكو وطهران وتركيا أو السعودية وقطر. من خلال خريطة المنطقة المشتعلة من سوريا الى اليمن أن تتداخل المطالب والقدرات لرسم الحدود الجديدة للمنطقة وللقوى الممكنة بمفاتيحها حسب أحجامها وأدوارها. كما أن مستقبل بشار الأسد مشكلة فإن «داعش» و»النصرة» مشكلة كبرى. لا يمكن إعادة سوريا الى العالم مع الأسد و»داعش» و»النصرة». كيفية التخلص منهما ترسم طريق التغيير، لا يقل خطراً أحدهما عن الآخر. الفارق الكبير أن «داعش» خطر دولي، لذلك التحالف ضده سريع لأنه جزء من الدفاع الدولي المشروع عن النفس. الأسد ما زال محتضناً من موسكو وطهران. المفاوضات عليه صعبة، وخصوصاً أن الأسد نفسه قضى على أي بديل محتمل. المهم أنه متى بدأت المفاوضات لن يكون الأسد جزءاً منها وإنما جزء من «سلة» المقايضات. معركة «جسر الشغور» الناجحة بداية لرسم خطوط التماس المتماسكة. اللاذقية من الصعب أن تسقط، لأنها تشكل خطًّا أحمر روسيًّا. حتى الأميركيون يأخذون في الاعتبار الوجود الروسي المنتشر على ضفة البحر المتوسط الممتدة بين اللاذقية وطرطوس. من المؤكد أن نقاطا أخرى معرّضة للسقوط. هذا الصيف قد يكون جحيماً. عندما تبدأ عملية رسم «خطوط التماس»، تمهيداً لكسر الإرادات أو بدء المفاوضات، لا يعود من حساب للخسائر إلا بقدر ما ترفع رصيد المفاوضين. *نقلاً عن "المستقبل"