هل ممكن أن تعيد عاصفة الحزم «الدور» الخليجي في الاجتماعات الأورو - أميركية المقبلة والمتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط؟ سواء ما سيعقد منها في كامب ديفيد في الولايات المتحدة أو ما سيعقد منها في جنيف، وسواء كان عنوان تلك الاجتماعات الملف النووي الإيراني أو كان عنوانها سوريا أو أيا كان عنوانها؟ هل تستطيع دول الخليج أن تغير موقع مقاعدها من مقعد للاعب احتياطي إلى مقعد للاعب رئيسي فيما يتعلق بأمن واستقرار المنطقة؟ أعتقد أن ذلك سيعتمد على قرار دول مجلس التعاون في الخطوة الخليجية القادمة بعد «عاصفة الحزم»، ولن يكون تحديد موقع هذا المقعد في يد الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية ولا حتى إيران. حين تحركت دول الخليج منفردة وأخذت زمام المبادرة في الملف اليمني، أجبرت المجتمع الدولي للانصياع للأمر الواقع الجديد والانضمام لها؛ أي أنها هي من قرر تحديد دورها في الملف اليمني، وهذا ما لم تفعله في ملفات أخرى التي أوشكت على الغلق والخاصة بدول عربية وعلى حدود المملكة، فكان للدول الخليجية دور شرفي فيها كلاعب احتياطي فقط، حددته إيران الدولة التي أخذت زمام المبادرة، وفرضت أمرا واقعا على الأرض، بعدها وافقت أميركا والدول الأوروبية على إعطاء إيران موقعا للاعب رئيسي، وأعطت لدول الخليج موقعا للاعب احتياطي، فقد ثبت أن المجتمع الدولي يحدد موقع اللاعب دون النظر إلى شريعة هذا الموقع من عدم شرعيته، وإسرائيل المحتلة هي خير مثال، ثم تلتها إيران المحتلة والمتدخلة في شؤوننا مثال آخر، خططت ودخلت وتمددت، ففرضت نفسها على راسمي مستقبل المنطقة دون اعتبار لشرعية تدخلها من حرمته. والسؤال الآن، هل سيسعف الوقت دول الخليج؟ وهل تملك دول الخليج رؤية حول الاستفادة مما تبقى منه؟ وهل ستتمكن من قلب الطاولة وتغيير مقاعد اللاعبين الرئيسيين في الاجتماعات القادمة، وتحجز لنفسها مقعدا أساسيا لا احتياطيا في تلك الاجتماعات اللاحقة؟ مع الأخذ في الاعتبار تعقيدات الوضع السوري وتحالفاتها، وكذلك الوضع العراقي وتحالفاته وكذلك اللبناني، وفي هذه الدول الثلاث تتربع إيران على القرار فيه، وتفاوض بدلا من أصحاب الأرض، رغم أنها أراض عربية، ورغم أنها تحيط بالسعودية وعلى تخومها، لكن الأمر الواقع تجاوز الجغرافيا وغيّر التاريخ، هذه الملفات ستكون ضمن أي ملف خاص بالمنطقة، حتى لو كان الملف النووي الإيراني، فلا يكذب الأميركان علينا. أكثر القراءات تدل على أن أميركا، وأوروبا معها، قد سلمتا بهذا الدور الإيراني الذي حدد هو الدور الخليجي، وقد بدأوا فعلا يتفاوضون معها بشأن دول المنطقة، سواء كان ذلك التفاوض ضمن صفقة النووي، أو كان ذلك التفاوض بشكل مباشر حول مستقبل سوريا أو العراق أو لبنان، وما التطمينات التي يحاولون بثها في نفوسنا إلا إبر تخديرية. فأحد أهم المفاوضين الأميركيين في الملف النووي الإيراني، وهو ويليام بيرنز، وزير الخارجية السابق، كتب مقالا في الثامن من هذا الشهر، يجب أن نتوقف عنده كثيرا. قال فيه: «في عالم مثالي، لن يكون هنالك تخصيب نووي في إيران. وسيتم تفكيك منشآت التخصيب التي تملكها. ولكننا لا نعيش في عالم مثالي. ولا يمكننا، بالتالي، أن نتمنى زوال المعارف الفنية الأساسية، وقدرة التخصيب التي قامت إيران بتطويرها أو تدميرها بالقصف». ثم يقول: «إن تاريخ القضية النووية الإيرانية مليء بالفرص الضائعة. وهو تاريخ تغلَّب فيه الهوس بالحل المثالي على الحل الجيد. إنه تاريخ، إذا استرجعنا أحداثه، سيكشف لنا عن اتفاقات تبدو الآن أفضل كثيرًا قياسًا بما بدت عليه في السابق. ونحن لا نملك أن نتخلى عن الاتفاق الحالي، رغم كل نقائصه الحتمية». ما يجب أن نتوقف عنده في هذا الخطاب، هو قوله: «من الواجب أن يكون استكمال هذا الاتفاق النووي الشامل مع إيران أحد أجزاء استراتيجية حصيفة لشرق أوسط يتردّى في فوضى عميقة»، فما هي هذه الاستراتيجية الحصيفة؟ وكيف يمكن، حسب قوله، تحويل إيران من «قوة ثورية مثيرة للفوضى إقليميًا، إلى لعب دور أكثر عادية كقوة إقليمية أخرى طموحة»؟ إنه يعترف هنا أن الاتفاق جزء وليس كلا من استراتيجية شاملة تعتبر إيران فيها الدولة الأكثر استقرارا، وفق وجهة نظره. إن جميع رسائل التطمينات التي ترسلها أميركا تنسفها الوقائع على الأرض، حيث كان لإيران الدور الأكبر في الصراعات التي وجدت في المنطقة، والآن هي مدعوة للتفاوض حول دورها المستقبلي في المنطقة؛ أي أن أميركا، وأوروبا معها، سلمتا بأمر فرضته إيران على الأرض، ولم تستطيعا منعه كما تعهدتا سابقا، فهل ستمنعانه بما تتعهدان به حاليا؟ حين خرج الأميركان من العراق صرحوا بأنهم لن يسمحوا بموقع لإيران فيه، ولن يسمحوا بتقسيمه وهذا ما لم يحدث، لكن التناقض بين التصريحات التي يلقيها المسؤولون الأميركيون والأمر الواقع على الأرض يزداد حدة، ففي الوقت الذي أوضح فيه الجنرال الأميركي مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية، في جلسة الاستماع التي عقدت في الكونغرس الأميركي، في مارس (آذار) 2015، أن «القوات التي تزحف على تكريت تضم 20 ألف مقاتل شيعي تدعمهم إيران، يحملون السلاح تحت مظلة الحشد الشعبي». مضيفا أن هؤلاء تلقوا «تدريبا إيرانيا، وأنهم مزودون بمعدات إيرانية». في الوقت الذي أبدى فيه وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، هو الآخر، قلقا، حيال وجود مستشارين عسكريين إيرانيين إلى جانب القوات العراقية في الجلسة ذاتها لا ننسى ما قاله كيري في اجتماع حلف شمال الأطلسي في بروكسيل في ديسمبر (كانون الأول) 2014 في مؤتمره الصحافي في نهاية المؤتمر، حين سأل عن الغارات الجوية التي تردد أن إيران تشنها في العراق على «داعش»، إذ قال ردًا: «أي عمل عسكري ضد التنظيم الإرهابي، هو عمل إيجابي وموضع ترحيب». قال هذا الكلام في الوقت الذي نفى فيه أي تعاون بين أميركا وإيران، ولا نعرف كيف لطائرة أن تحلق في سماء بغداد الآن، دون علم وتعاون من الائتلاف وعلم أميركا تحديدا؟!! تصريحات القيادات الأميركية للائتلاف الدولي ضد «داعش» تكشف عن إقرارهم بالدور الإيراني والتعاطي معه كأمر مسلم به على الأرض في العراق، كما أن اجتماعات لوزان أقرت أن هناك بنودا سرية وأن لإيران دورا في إعادة استقرار المنطقة المضطربة بالصراعات. خلاصة القول، إننا سمحنا أن يتقلص الدور الخليجي في تلك الملفات، حتى قبلنا بتحديد نوعية وطبيعة المساعدات التي تقدمها الدول الخليجية في إحلال الأمن والاستقرار في المنطقة، بما لا يخل من التوازنات على الأرض، فالمساعدات التي قدمتها السعودية للجيش اللبناني لمواجهة اختراقات تنظيم داعش من الشمال فقط وليس لمواجهة حزب الله، وأميركا هي التي تحدد من هي التنظيمات السورية التي يسمح بمساعدتها في سوريا بحجة عدم ذهاب المساعدات لتنظيمات متطرفة، إنما الواقع يؤكد أن هناك رغبة في حفظ التوازنات الحالية التي تسيطر فيها التنظيمات الموالية لإيران على الأرض بما فيها نظام الأسد في سوريا وحزب الدعوة في العراق. فإن كانت «عاصفة الحزم» قد أجبرت المراقبين الأجانب أن يهيأوا الأرضية للمستجدات التي فرضتها هذه العاصفة على الأرض، كما قال ياروسلاف تروفيموف، في افتتاحية «وول ستريت جورنال» الأميركية، إن «المرحلة الحالية هي (ساعة دول الخليج)، التي وجدت نفسها منغمسة في السياسة الخارجية وتعقيداتها في المنطقة العربية»، فهل نضيع نحن هذه الفرصة ولا نستثمرها؟ إن كانت «عاصفة الحزم» جعلت من إيران لاعبا احتياطيا في الملف اليمني، بل إن قوة العاصفة أجبرت الحكم على طرد اللعب الإيراني شر طرده، ومنعه من دخول الملعب بتاتا، وما كان ذلك سيحدث لولا أن الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية، هي التي حددت الملعب على الأرض فتحددت الأدوار تلقائيا. بإمكاننا، وإلى أن يحين موعد الاجتماعات التي سترسم الأدوار، تحديد موقع مقاعدنا فيها لو استثمرنا وساهمنا بتقدم تنظيمات المعارضة السورية على الأرض، فإن ذلك سيساعدنا على إعادة ترتيب مقاعدنا في جنيف وفي كامب ديفيد. * نقلا عن "الشرق الأوسط"