الجديد فى الولايات المتحدة الأمريكية، حالياً، ليس أن مظاهرات قد خرجت فى مدينة «بلتيمور» احتجاجاً على سوء معاملة الشرطة للمواطنين السود، فلقد خرجت مظاهرات كهذه عدة مرات، منذ أغسطس الماضى، ولذات السبب، عندما سقط وقتها شاب أسود قتيلاً على يد ضابط أبيض! ولا الجديد أن المظاهرات قد تجاوزت إطار المدينة التى انطلقت منها، ثم سارت، ولاتزال، فى عدة مدن.. فلقد حدث هذا من قبل مراراً! الجديد، حقاً، أن الرئيس الأمريكى عندما أعلن حظر التجول وحالة الطوارئ فى بلتيمور لم ينطق أحد من دعاة حقوق الإنسان، وعندما أعلن الرئيس السيسى الشىء نفسه، دون زيادة ولا نقصان، يوم 25 إبريل الماضى، وفى مناطق محددة من شمال سيناء، وفى مواجهة إرهاب أقوى مما يواجهه أوباما مائة مرة، فإن الغيورين والأوصياء على حقوق الإنسان، هنا، وفى الخارج، لم يناموا الليل! لم يناموا الليل فى حالتنا، ثم ناموا ملء جفونهم فى حالة الرئيس الأمريكى، مع أن الطوارئ هى الطوارئ فى الحالتين، ومع أن حظر التجول هو حظر التجول فى الحالتين، ومع أن حاجتنا نحن إلى فرض الشيئين تظل أقوى بمراحل فى مناطق معينة من شمال سيناء، وليس فى سيناء كلها، ولا حتى فى شمال سيناء كلها! فما المعنى؟!.. المعنى أن الذين تؤرقهم حقوق الإنسان، فى حالتنا نحن تحديداً، لا يعنى أى واحد فيهم ما يقوله، ولا تؤرقهم حقوق الإنسان على أرضنا، إلى هذا الحد، كما قد يبدو الأمر فى كلامهم، وإنما تعنيهم أشياء أخرى تماماً، لا علاقة لها بالإنسان، من حيث هو إنسان، ولا بحقوقه المطلقة، أياً كان مكانه، وإلا فأين هم فى الحالة الأمريكية؟!.. ولماذا لم يتكلموا؟!.. ولماذا لم نسمع لهم صوتاً؟!.. هل لأن حظر التجول الأمريكى، مثلاً، مختلف عن حظر التجول المصرى؟!.. أم هل لأن حالة الطوارئ الأمريكية مختلفة عن حالتها المصرية؟! المثير أن الولايات المتحدة نفسها كانت فى كل مرة تلجأ فيها الدولة المصرية مضطرة لحظر التجول، أو للطوارئ، فإن واشنطن من جانبها تحتج، وتعترض، وتدين، فإذا ما لجأ الأمريكان ذاتهم إلى الإجراء نفسه بدا الأمر طبيعياً، وعادياً، ولا شىء فيه يدعو للاحتجاج، ولا للاعتراض، ولا للإدانة. أما «الرسالة» التى لابد أن نكون منتبهين إليها فى كل مرة نتخذ نحن أى إجراء طارئ على أرضنا، ثم يغضب الأمريكان، أو غير الأمريكان، فهى أن الغضب لا يكون فى كل الأحوال من أجل هدفه المعلن، ولكنه يكون دوماً لهدف آخر، نعرفه نحن، بمثل ما يعرفونه هم، سواء بسواء. السؤال الذى يؤرقنى هو كالآتى: متى يتوقف الأمريكان عن التساؤل حول السبب الذى يجعلهم موضع كراهية، وفقدان ثقة، حول العالم؟!.. متى؟! *نقلاً عن صحيفة "المصري اليوم