لم يسبق لدول الخليج العربي أن مرت خلال الأشهر الستة الماضية بأزمة أمنية كالتي عرفتها هذا الأسبوع. ففي المملكة العربية السعودية، أعلن اللواء منصور التركي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية، أن السلطات كشفت عن ست خلايا ترتبط بتنظيم «داعش»، وتتألف من 93 عنصراً سعودياً. واعترفت عناصر هذه الخلايا التي تُدعى «جند بلاد الحرمَيْن»، أنها كانت تتدرب على ضرب الشركات الأجنبية ونسف القنصليات الأميركية في جدة والرياض والظهران. وربما تكون هذه هي المرة الأولى التي تهتدي فيها سلطات الأمن إلى خلايا «داعشية» بهذا الحجم من التنظيم والتسلح والقدرة على المواجهة. علماً أن عدد عناصر الخلايا النائمة التي زرعها أسامه بن لادن باسم «القاعدة» في الرياض والظهران، لم يتجاوز المئة عنصر في بداية الأمر. ويرجع المراقبون أسباب توقيت انتقال نشاط مقاتلي «الدولة الإسلامية» إلى السعودية في هذا الوقت لعوامل عدة: أولاً - الغارات الموجعة التي يتلقاها التنظيم في العراق من الأميركيين والإيرانيين. ثانياً - المقاومة الشرسة التي يتعرض لها مقاتلو «داعش» في مناطق تقع جنوب سورية المحاذية لهضبة الجولان، خصوصاً بعد مضاعفة أعداد الميليشيات المقاتلة على الجبهات الداخلية في ريف حلب وريف دمشق. ثالثاً - استغلال الفراغ الأمني الذي أحدثه غياب الطائرات الأميركية من دون طيار، والتي حظيت بقاعدة انطلاق في اليمن بفضل الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. والملفت في هذا السياق أن علي عبدالله صالح لم يفقد الأمل في العودة إلى الساحة السياسية بدليل أنه دعا جميع اليمنيين إلى إحياء الحوار الوطني بهدف إنهاء الصراع على السلطة. وأكد الوزير اليمني رياض ياسين أن الحكومة تعدّ ملفاً موثقاً حول ارتباطات الرئيــس صالح بجماعة «القاعدة» وبعدد من المنــــظمات الإرهابية الأخرى. والثابت أن هذه الارتباطات ازدادت وثوقاً لدى الرئيس المـــخلوع عقب فوز عبد ربه منصور هادي بالرئاسة. لذلك، حاول التعاون مع «الشيطان» من أجل استرجاع سلـــطته. والســـبب، كما يفــــسره هادي، هو الحرص المتنامي على السفر إلى الخارج، والاستمتاع بالبلايين التي هربها بواسطة عملائه إلى البنوك الخارجية في آسيا. بعد انقسام المؤسسة العسكرية وانسحاب غالبية الضباط الذين ينتمون إلى صالح، أعلنت قبائل حضرموت فتح مراكز التجنيد والتدريب لمواجهة الميليشيا الطائفية الموالية لإيران، والمزودة بأحدث الأسلحة الثقيلة منها والخفيفة. وبما أن الحوثيين ينشطون غالباً في مناطق زيدية، لهذا كان تكوين جيش القبائل الحضرموتية السنّة رداً مباشراً على الفرز الطائفي الذي خصته إيران لجماعتها من الحوثيين. في ضـــوء هذا التشـــرذم المذهبي، تظهر روسيا بمظهر الدولة المرتبكة والحائرة في أخذ الموقف الصحيح. فهي من جهة تميل نحو كفة إيران وسورية اللتين أيّدتا وجـــودها العسكري في المنطقة نكاية بالولايات المتحدة. وهي من جهة أخرى لا تريد إضاعة العلاقات الاقتصادية والتجارية التي زرعها الرئيس بوتين في السعودية ومصر والأردن. لذلك، فضَّل ممارسة لعبة مزدوجة ترضي الفريقين. واليوم، بعد مرور أكثر من نصف قرن على الانقلاب المصري في اليمن، تسعى إيران إلى تطويق السعودية عبر الحوثيين الذين حاولوا الاستيلاء على مؤسسات الدولة. وبما أن الوسيط الأممي السابق جمال بنعمر كان منحازاً إلى فريق المتمردين بزعامة عبدالملك الحوثي، فقد توقعت دول التحالف أن يكون خليفته، الديبلوماسي الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، أكثر استقلالية وموضوعية. خصوصاً أنه يعرف جيداً مشاكل اليمن التي تولى فيها مسؤوليات برنامج الأمم المتحدة الانمائي لمدة سنتين (من 2012 إلى 2014). وقد تم تعيينه في هذا المنصب بعد انتهاء فترة عمله في ليبيا كمبعوث الأمم المتحدة الخاص. ومن المؤكد أنه سيتذكر خلال فترة عمله في عدن وصنعاء المعاناة التي خبرها أثناء تنقله بين طرابلس وبنغازي. من أجل تغيير المناخ الأمني الذي هيمن على أجواء اليمن بعد «عاصفة الحزم» أطلقت السعودية على المرحلة التالية اسماً واعداً هو «إعادة الأمل». وأعلنت أنها أوقفت العملية العسكرية مع حليفاتها وفقاً لقرار الأمم المتحدة 2216 الذي دعا إلى حل النزاع المذهبي بالطرق السياسية. وذكرت الرياض أنها نزلت عند رغبة الرئيس هادي الذي يهمه وقف الحرب الأهلية بعد نجاح دول التحالف في تدمير السلاح الثقيل والصواريخ الباليستية. وعلى رغم تدمير 85 في المئة من قدرات الحوثيين العسكرية، فإن تقديرات المراسلين تشير إلى سيطرتهم على خمسين في المئة من أراضي اليمن. لكن الغارات الجوية منعتهم من التقدم، مثلما منع الحذر باكستان والأردن ومصر من الانضمام إلى عملية برية ساحقة. كل هذا بسبب احتمال انغماس القوات الإيرانية بحرب استنزاف ربما تؤثر في وضعها في سورية والعراق ولبنان. ومثل هذا الاحتمال منع الحرس الثوري من التورط في حرب طويلة، واكتفى الجنرال قاسم سليماني بإرسال تسع سفن مليئة بالأسلحة إلى جماعته في اليمن. وردت واشنطن بإرسال حاملة طائرات اكتفت بإطلاق صاروخين على هدف مجهول في صنعاء، تماماً مثلما فعلت البارجة التي أرسلها الرئيس رونالد ريغان لحسم حرب الجبل في لبنان! تقول الصحف الأميركية أن حرب الحوثيين في اليمن هي جزء إضافي من محاولة السيطرة الإيرانية على الشرق الأوسط. والثابت أن الشعب اليمني الذي يملك أكبر كمية من السلاح الخفيف... وأكبر كمية من الخناجر الحادة، هو دائماً مستعد للعب دور الضحية، والتنازل عن «بلاده السعيدة». أذكر أن الدكتور كلوفيس مقصود، سفير الجامعة العربية، أقام حفلة غداء في أحد فنادق واشنطن على شرف المرحوم الأستاذ غسان تويني. وكان ذلك في شتاء 1989 عندما كان الجيش اللبناني بقيادة الجنرال ميشال عون يهدد القوات اللبنانية التابعة للدكتور سمير جعجع. وبما أن موضوع الحرب اللبنانية الطويلة كان موضوعاً مثيراً للجدل، فقد أثاره السفير اليمني محسن العيني بطريقة شغلت كل الحضور بمَنْ فيهم المُحتفى به. قال العيني مستغرباً: إن الحزن يلفني كل يوم، وأنا أتطلع إلى الصور المنفرة التي تعرضها شاشات التلفزيون. وأنا فخور بأنني خريج الجامعة الأميركية في بيروت... وفخور بشخصيات فذة عرفتها في حرم الجامعة، فإذا بي أفاجأ ببعضها يقود ميليشيات مسلحة. وأنا أغتنم هذه المناسبة لأسأل اللبنانيين الموجودين معنا هنا: هل هناك ما يستحق هذه الدموع والدماء؟! وأذكر أننا كنا عشرة لبنانيين، تناوبنا على تفسير الوضع بطريقة زادت المسألة تعقيداً. عندذاك ضحك محسن العيني، وقال: عندما عجز جمال عبدالناصر عن إيجاد حل لحرب اليمن، التي غرق في أوحالها، طلب مني - وكنت حينذاك رئيساً للوزراء - أن أصطحب إلى القاهرة وفداً يضم سياسيين وعسكريين من أجل البحث عن مخرج للأزمة المتنامية. وفي الاجتماع الأول سأل عبدالناصر: أنا مش فاهم حقيقة الحرب في اليمن. ممكن حد يشرح لي وسائل الخروج من الأزمة! وتبارى السياسيون والعسكريون في تفسير الأمر على نحو أربك عبدالناصر، وحضّه على التعليق بصوت يشبه الزعيق: والله... الحرب دي عملت نصفكم فلاسفة... ونصفكم حكام. ومثل هذا التعليق يمكن أن يطبق على الحرب الأهلية في اليمن اليوم، بعدما انتقل الشاكي من القاهرة إلى طهران!