2015-10-10 

أخبار متفرقة

سمير عطالله

كانت الصحف في الماضي تخصص صفحة يومية كاملة للأخبار «القضائية»، أي ما يعرض على المحاكم من شكاوى ومخالفات، وما يصل إلى المخافر من جرائم واعتداءات، وما تتسع له أبوابها من اعتقالات. واشتهرت صفحة «القضائيات» في «النهار» أكثر من سواها بسبب العناوين الساخرة التي كان يضعها رئيس التحرير لويس الحاج. ومنها على سبيل المثال «انتفخ بطن شقيقته فنفَّسه بسبع رصاصات». غير أن الإقبال على الصفحة لم يمنع «النهار» من إلغائها، لأنها قللت من احترام الجريدة وأعطتها سمعة «الأخبار المتفرقة»، وليس الصحيفة الكبرى. وتميّزت صحف فرنسا وبريطانيا وأميركا نفسها إما بالتركيز على «الأخبار المتفرقة» أو بالابتعاد عنها. كالفرق بين «التايمز» و«الصن»، أو «نيويورك تايمز» و«نيويورك بوست»، أو «الموند و«فرانس سوار»، لكن جريدة محترمة مثل «الفيغارو» حافظت إلى زمن قريب على صفحتها، ولكن بعد اختصارها وتقليل عدد الأخبار فيها. الصحافة بحر. ولا أدري كيف يمكن حصرها بدروس محددة في كليات الإعلام. ولضرورة ما، سعيت مؤخرًا إلى البحث عن التعريف الدقيق «للأخبار المتفرقة». يقول تييري واتين، رئيس تحرير «دفاتر الصحافة»، إن «الأخبار المتفرقة هي بمثابة المازوت (الديزل) في هذه المهنة: لا تكلف كثيرًا وتدوم طويلاً، لكنها ضاجة ولها رائحة غير زكية». أما الموسوعي الفرنسي الأكثر شهرة بيار لاروس فقال في قاموسه تحت عنوان «أخبار متفرقة» إنه «يمكن للصحف أن تنشر الفضائح الصغيرة، والجرائم المقززة، وانتحارات الغرام، وسقوط عامل من الطابق الخامس، والفيضانات، والسطو المسلح، والغرق، والحرائق، وحوادث السير، وولادة ثور برأسين، وولادة توأمين سياميين، ووصفة طبخ، وأخبار المعمرين». لا تحديد إذن «للأخبار المتفرقة». إنها في الصحافة خيار، كالتكرار الشائع «رجل عض كلبًا أم كلب عض رجلاً؟». لكن الصحيفة المحترمة لن تضع خبر الرجل المسعور في مكان بارز، وقد تُقرر عدم نشره إطلاقًا، مهما عنى ذلك رواجًا لصحف أخرى، ترى أنه «ليس من الضروري أن يكون الخبر حقيقيًا، بل صاعقًا». أيهما أفضل، أن تعيش الصحيفة وقد فقدت شيئًا من احترامها، أم أن تموت وهي واقفة؟ تزدهر في بريطانيا صحف «المتفرقات»، في حين أنها أغلقت أبوابها في فرنسا. وصحف الخليج التي كانت في الماضي خالية تمامًا من هذا النوع، أصبح بعضها الآن يقدمها على سائر الأخبار الأخرى. ومن أين جاءت الأعمال الروائية الكبرى في الآداب العالمية؟ من صفحات «القضائيات». المحاكم معرض للنفس البشرية. *نقلاً عن "الشرق الأوسط"

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه