خلال الأسابيع الماضية تمت إقالة واستقالة عدد من المسؤولين في السعودية ومصر بـ «توجيه» من وسائل الإعلام الجديد. أُقيل وزير الصحة السعودي أحمد الخطيب بعد تداول مقطع فيديو ظهر فيه الوزير وهو يستقبل المراجعين من المواطنين، وبينهم مواطن طلب من الوزير تأمين سرير، وحدثت مشادّة تفوّه خلالها الخطيب بعبارات رافقتها نبرة صوت غاضبة. وبعد أيام أُقيل رئيس المراسم الملكية محمد الطبيشي، بعد انتشار مقطع فيديو له يظهر فيه وهو يصفع مصوّراً صحافياً على وجهه، ويبعِده عن الملك سلمان بن عبدالعزيز، أثناء استقبال الملك للعاهل المغربي محمد السادس في الرياض. وأشعل المغرّدون السعوديون مطلع هذا الأسبوع هجوماً على لجنة الاستقدام في السعودية، مطالبين بمحاسبة أعضائها للتلاعب بالأسعار، فأعلن الأعضاء استقالتهم. وقدّم وزير العدل المصري محفوظ صابر استقالته، بعد مطالبات على مواقع التواصل الاجتماعي بإقالته، على خلفية تصريحات أطلقها تضمّنت تحقيراً لأبناء عمال النظافة، وعدم جدارتهم للعمل في سلك القضاء. تصرُّفات هؤلاء المسؤولين التي أفضت إلى إبعادهم عن مناصبهم، بطريقة غير معهودة في دُوَلنا، ما كانت لتصل إلى هذه النتيجة في ظل هيمنة الإعلام الرسمي التقليدي، لكن الواقع الذي فرضه الإعلام الجديد، من خلال نقل كل التفاصيل، والتجاوزات التي كانت تُرتَكَب بعيداً عن عيون الناس، وإحداث نقلة غير متوقعة في النظامين الاجتماعي والإعلامي، جعل الحكومات تتخلى عن تقاليدها في التعامل مع أخطاء المسؤول. أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي فعّالة في تشكيل الرأي العام وحشده، فضلاً عن أنها أتاحت المعلومات والصُّور للجمهور على نطاق واسع وسريع، وروّجت لآرائه واتجاهاته على نحو يُعدّ سابقة في منطقتنا. هذا الوضع جعل أجهزة الرقابة الرسمية، وما يسمى مؤسسات المجتمع المدني في وضع لا تُحسد عليه. فدورُها خُطِف منها، إن كان لها دور. نحن وصلنا إلى مشاركة المجتمعات في صناعة القرار، من دون شعارات الديموقراطية. هذا الوضع المثير، ستكون له انعكاسات كبيرة على أداء الحكومات وأجهزتها. بات الإصلاح الإداري والسياسي أحد أدوار الإعلام الجديد، فضلاً عن أن الحديث عن حرية الإعلام في البلاد العربية لم يعد يعني الشعوب، لأنها أصبحت تتولى الاتصال مباشرة، وبات على الأنظمة ملاحقتها، والبحث عن رضاها. لا شك في أن ثورة الاتصالات غيّرت حال الأنظمة والمجتمعات. وبات مجرد التفكير في لجم تأثيرها، والحد من سطوتها، من الماضي. صارت قَدَراً. ولسان حال الحكومات اليوم «وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم». الأكيد أن الإعلام الجديد أصبح وزارة مستقلة، هدفها مراقبة أجهزة الدولة. ليس لها وزير، بل وزراء بعدد أفراد الشعب. كل من يغرّد بقضية، وتجد تفاعلاً، يكون هو الوزير في تلك اللحظة. * نقلا عن "الحياة"