بعد يومين من بدء الهجوم، كان الألمان قد توغّلوا 250 ميلاً داخل الأراضي السوفياتية. كان الجيش الأحمر باسلاً في الدفاع، لكن الجيش الألماني كان أفضل تدريبًا وقيادة وتسلحًا. فقط الدبابة الروسية «تي - 34» كانت أكثر تفوقًا، لكن عددها كان قليلاً، نحو 1500. قبل عام 1939، كانت القوات الألمانية والسوفياتية قد اشتركت في عرض عسكري واحد احتفالا بالانتصار على بولندا، وها هي الآن تدك بعضها البعض، والجانب الروسي المخدوع يتهاوى، تحت ضربات الحليف الخادع. أكثر من ذلك، كانت الصناعة السوفياتية الحربية لا تزال تستخدم قطعًا ألمانية من أيام الصداقة، وكذلك الألمان. أكدت النجاحات الألمانية ذلك الصيف غطرسة هتلر «كل ما عليك فعله هو أن ترفس الباب، وسوف ينهار البناء كله على الفور». ورافق الانتصارات الألمانية في دول البلطيق تعاطف الناس وهبوبهم ضد الاحتلال السوفياتي الذي لم يمض عليه زمن طويل. وفيما كانت برلين تقيم مباريات الكرة النهائية في 22 يونيو (حزيران) وكأن شيئا لم يحدث، كانت الإشاعات تملأ موسكو بأن ستالين أصيب بانهيار عصبي. من لندن تلقى ستالين دعمًا غير متوقع. ها هو السير ونستون تشرشل يخطب قائلا: إن «هذا الزقاقي هتلر، وحش اللؤم والخبث، يقوم بحملة أخرى من المجازر في التدمير. النازية لا تبرع إلا في التوحُّش والعدوان». باختصار، قال تشرشل، النازيون لا يهاجمون الشيوعية، بل روسيا نفسها. لكن هتلر لن يتوقف عند شيء في زحفه «على هندنا»، أي أن روسيا ستكون للألمان ما هي الهند لبريطانيا. وفي 3 أكتوبر (تشرين الأول) 1941 خاطب الجماهير الألمانية قائلاً: «لقد بدأت في 22 يونيو أعظم معركة في تاريخ العالم. ومنذ ذلك اليوم، كل شيء يسير وفقًا لما هو مخطط. قواتنا على بعد ألف كيلومتر من حدودنا. إننا على مشارف لنينغراد، ولدينا 2.500.000 أسير روسي. وقد دمرنا، أو استولينا، على 22 ألف مدفع. وهناك 18 ألف دبابة مدمرة أو مصادرة. وقد أسقطنا 14.500 طائرة. إننا نسيطر داخل روسيا على ما تفوق مساحته مرتين مساحة إنجلترا. العدو منهار منذ اليوم، ولن تقوم له قيامة بعد الآن». لكن الروس سوف يخوضون ضد هتلر واحدة من أهم الحروب في التاريخ. جمعوا جراحهم وركامهم وثلوجهم وطفقوا يقاومون أقوى وأشرس الأعداء. طردوا هتلر من أرضهم، ثم طاردوه حتى قبوه في برلين. ديكتاتور خدع الآخر وديكتاتور هزم الآخر. وكانت النتيجة موتا، ومجاعات، وفقرًا، واغتصابات، ورمادًا على مدن أوروبا. أقبح القباحات في السياسة – وفي الحياة – هو الكذب. الجبناء يظنونه دهاء. إنه قتل، ثم انتحار. * نقلا عن "الشرق الأوسط"