عندما عاد دوايت آيزنهاور منتصرًا من الحرب العالمية الثانية كقائد لجيوش الحلفاء، أقيمت له الاستقبالات في مدن أميركا. وجاء أحد رفاقه القدامى يزوره في نيويورك التي كانت شوارعها تهتف له «آيك، بطل النورماندي. آيك، محطم النازية». ونظر صديقه من النافذة ثم عاد ليقول: «آيك، لا تذهب من بالي تلك الأيام التي قضيناها في غرفة الكشافة معًا». الناس ترفض أن تصدق ما وصلت إليه، لأن في ذلك سقوطًا تلقائيًا لها. لو سأله الصديق القديم عما فعله في معركة النورماندي، أين سيصبح هو؟ فمن أجل أن يبقى له مكان، أو أن يبرر وجوده إلى جانب بطل الحلفاء، كان لا بد من العودة 60 عامًا إلى الوراء، يوم كان كلاهما طفلاً في سروال قصير يعلق في عنقه صفارة ينبئ فيها عن مكانه إذا ما ضاع في الغابة. كبر العالم وكبر الأطفال، ولم يعد للكشافة مكان حتى في الغابات. فعالم الراشدين جنود حقيقيون وقتال حقيقي. والحرائق ليست للتدفؤ بنارها، بل لإحراق الآخرين وتحويل أجسادهم وممتلكاتهم ومصائرهم إلى رماد. وعالم الكبار لا تسود فيه أخوة الكشافة وصفارات الإغاثة، بل حقد الأعداء والتربص والحسد. وشعر آيزنهاور بالشفقة حيال الصديق القديم. فهو لم يعثر على شيء يرتفع به إليه، فقرر أن ينزله من جنرال منتصر إلى «جرمز» بقبعة كاكية وصفارة. وحاول آيزنهاور أن يريح صديقه. أدرك ما هي المشاعر التي تنتابه فيما الهتاف يملأ المدينة، وهو ليس لديه في حياته ما يهتف له. واحد أصبح قائد قادة الجيوش، وهو لم يُصبح شيئا، فكيف ينال منه؟ يعيده «جرموزًا» في فرقة البلدة. لكن ذلك لن يغيّر الحقائق التي تلت. أحد الرفيقين أصبح ضابطًا، ثم مقدمًا، ثم جنرالاً، ثم رمزًا من أهم رموز الحرب في التاريخ. لن ينفعك في شيء تذكيره بأيام الكشافة. هو عرف أن الحياة عمل وإقدام واجتهاد، وإلا لكان الآن مكانك، يتحسر ويذكر رفيقه بأيام الكشافة. هل هذه كل مقدراتك وبطولاتك في الحياة؟ أن تعيد الناس عقودًا إلى الوراء؟ هل هذه كل أحلامك؟ ماذا كان يحدث لو أنك قلت له: ما أحلى النجاح يا آيك. أنا أكثر من يعرف ماذا بذلت لكي تصل. كنت أعرف مذ كنّا في الكشافة معًا أن هذه الصفارة سوف تتحول إلى أوسمة وميداليات. بل إنني كنت أتوقع، منذ أن عرفت بذهابك إلى أوروبا، أنك تعود يومًا إلى مثل هذا الاستقبال. لكن الناس لا تقول ذلك. الناس ترى في نجاحك تعريضًا بفشلها. وترى في عملك تجريحًا بخمولها. والحسد شيطان ثقيل. * نقلا عن "الشرق الأوسط"