2015-10-10 

الجهـــاد والاستشهاد

بسمة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود

كلمتان ولكنهما مع تغير الأزمان أصبحتا أجندتين، يُذبح باسميهما ملايين البشر, عبر سطح لولبي يبدأ من نقطة النزاع الأولى “فلسطين” وينام في بقعة لا تبعد عنها كثيراً العراق. مسميات أصبحت مبيدات إنسانية وبيئية, لوثت العالم بجرثومة قاتلة أشد فتكاً من أيبولا وكورونا. الأمراض تنتشر في الأجساد, أما تلك المفردات التي وردت في القرآن الكريم بعد الرحمة والأيمان هما الجهاد في سبيل الله والشهادة كأروع قصص بطولية سطرها التاريخ عبر العصور الماضية, حيث كانت تستعمل في الحروب القانونية والشرعية, وليس من قبل منظمات ومذاهب, استخدمتهما كتذكرة عبور بين الأمصار والعصور لتجعلهما في أحلك القصص التي تمر في تاريخ البشرية, والدين الإسلامي كما كانت تستعمل في الديانات السابقة, عبر الأزمنة الماضية مترجمة “Martyr“ الى العربية هو الشهيد. لذا التاريخ يذكر الكثير ممن استشهد في سبيل الأيمان ويسمى شهيداً, أما من يموت دفاعاً عن الوطن فيكتب في لائحة الأبطال والجندي المجهول الذي أصبح علامة فارقة بين الاثنين في عالم التقنية. تركوا مسمى “شهيد” الذي يوجد في دياناتهم أيضاً واستبدلوه بكلمة البطل والجندي المجهول, لأنهم توقفوا عن استخدام الدين، وأصبحوا يُقتلون ويَقاتلون باسم الدفاع عن الأوطان. أما في العالم الإسلامي فقد أصبحت هاتان الكلمتان ثقيلتان على اللسان والميزان, لقمة وجملة سائغة “يلوكها” كل معتدٍ أثيمٍ يريد أن يروج لسلطته وسيطرته وطغيانه ليشوه أسمى المعاني في الدفاع عن الدين إلى علامة وخطوط يرسم بها الأعلام أبشع صور القتال ويرتكب باسمها الموت والتطرف, ويأخذها الإرهاب كعملةٍ لترويجها في سوق الهيمنة الإسلامية التي شوهت كل صور البطولات الماضية ورسمها المؤرخون كفترةٍ ذهبيةٍ للأمة الإسلامية. لذا أدعو الفقهاء, وعلماء الدين أن يضعوا تعريفاً فقهياً عالمياً, لكي لا تستمر المهزلة والصورة القاتمة واستبدال “المفردتين” بمصطلح قرآني جديد يعبر عن الفرق بين (الجهاد والشهادة), (التطرف والإرهاب), ويضعوا حداً للذين تاجروا عالمياً بكلماتٍ عزيزةٍ على قلوب المسلمين، هؤلاء العلماء الذين يرون, ويقرؤون, ولكنهم لا يستنكرون ولا يفرقون بين الإثم والعدوان والبطولة والدفاع الشرعي. أدعو كل مجتهدٍ من جامعة المؤتمر الإسلامي إلى الأزهر الشريف, ومجمع الفقه الإسلامي الأوروبي والأمريكي, إلى أن يجدوا لنا حلاً لنخرج من هذه المصطلحات الى النور ونُخرجها من خندق صنعه المتطرفون للوقوع بنا في شركٍ ووادٍ سحيق للأمة الإسلامية، ففقهنا هو ما نعيش به اليوم ونبني من خلاله أجيال الغد. الأمن الفكري تضمنته أطروحة مسار “القانون الرابع ” الذي يرى بوجوب اجتماع الأمة الإسلامية لترسم للأجيال المقبلة فقهاً يتناسب مع القرن الواحد والعشرون ويواكب التطور اللغوي الذي بات وأصبح يستخدم ليرسم أبشع صور لمستقبل الفكر الإسلامي في الساحة الدولية, مع تقدم التكنولوجيا, أصبح الأمن الفكري يوازي ويفوق الأمن الغذائي, فدونه يصبح الغذاء الجسدي ثانوياً, ومنه تستمد الاستمرارية والكينونة الإسلامية التي تبدأ بالسلام و الرحمة والبركة. وهذه الكلمات بحد ذاتها كلمة السر الأمنية التي كتبها الله في كتابه الحكيم ليفرق بينها وبين الأديان الأخرى. إن رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم تحمل في داخلها الأمن والأمان وليس العكس كما رسمه الإرهاب والتطرف الحديث في القرن الحادي والعشرين. علينا إعادة صياغة المسميات والتفسيرات الفقهية بواسطة علمائنا الذين أتمنى أن يواكبوا التطورات الخطيرة التي باتت سيفاً وسلاحاً لتشويه الهوية الإسلامية بأسمى معاني العزة والكرامة والعقل والحكمة التي رسمها الله لنا في قرآنه الكريم.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه