في العام الماضي أعلنت المملكة قائمة بالجماعات الإرهابية، وكان على رأس القائمة تنظيم داعش، وكانت المملكة رأس الحربة في التحالف الدولي ضد «داعش»، فما كان من التنظيم الإرهابي إلا أن قام بعملية في منطقة الدالوة بالإحساء، لإيقاظ جمر الطائفية من تحت الرماد. التنظيم قام بعملية أخرى استهدفت منفذ السويف، وراح ضحيتها عدد من رجال حرس الحدود، وتبين لاحقاً وجود عناصر سورية وسعودية كانت في حفر الباطن، وعلى اتصال مع المجموعة، وكان التخطيط أن تقوم المجموعتان بعمل أكبر. التنظيم كذلك سبق له أن أطلق مقذوفات على جديدة عرعر من داخل الحدود العراقية. وقوف السعودية خصماً لتنظيم داعش جزء من سياستها، والتي ترنو إلى التصدي للإرهاب بكل أشكاله، حتى لو ربط الإرهاب نفسه خبثاً بمذهب أو آخر، مع الإدراك بأن فوهات بنادق الإرهاب لا تتوجه عادة إلا إلى المسلمين، وكثيراً نحو السعوديين منهم، بينما تعف تلك البنادق عن ضرب إسرائيل «العدو الافتراضي»، أو حتى إيران» العدو المذهبي» بحسب أدبياتهم. استهداف الآمنين هي خصلة معروفة لدى الفكر الإرهابي، وعدم وجود حرمة لبيوت الله خسة معروفة لديهم تاريخياً، منذ احتلال جهيمان للحرم المكي الشريف، مروراً بالقاعدة وأوجهها المتعددة، وصولاً إلى الوجه الأقبح «داعش»، وهذا التصرف لا يحتاج إلى تحليل منطقي؛ لأن العناصر التي تقوم بذلك ليست سوية، وتفكر بطريقة مختلفة؛ نتيجة عمليات غسيل أدمغة منظمة، وكان شاهد ذلك ما رأيناه من ضيف الأستاذ داود الشريان قبل أيام. قبل أيام، تعرض مسجد بمنطقة القديح شرق المملكة إلى عميلة إرهابية تبناها «داعش»، عبر انتحاري فخَّخ نفسه ليؤدي بحياة مصلين في صلاة الجمعة، ومن اللافت للنظر أن المستهدَف دائماً مناطق يتصف أهلها بالتسامح والولاء للوطن، ومن المستحيل أن تجد فيها صوراً لعمائم فارسية، وأقصد منطقتي القديح بالقطيف والدالوة بالأحساء. التفجير في مناطق شيعية في السعودية ثمن سهل مقارنة بالأثر الذي يحققه لأعداء الوطن، وإذا أخذنا أركان التحليل الثلاثة (الحافز، الوسيلة، والفرصة)، سنجد أن هذه الجريمة تعتبر وسيلة إيرانية معروفة أكثر من عانى منها العراق بسنته وشيعته، كما أنها فرصة لوصم السعودية بالطائفية على طريقة «رمتني بدائها وانسلت»، والشواهد على العلاقات بين «داعش» وإيران كبيرة، ولاسيما أن هذا التنظيم لم يهاجم إيران قط، بل ويتقوقع -دوماً- قبل الوصول إلى مناطق حلفاء إيران في سورية والعراق. والأهم، أن الحافز لا يملكه سوى إيران لزعزعة الأمن في المملكة، ومحاولة إحداث فتنة طائفية داخلها، يأتي هذا متسقاً مع الهرولة الإيرانية؛ لإتمام الاتفاق النووي، والذي سيسمح بتحسن اقتصادي لإيران، تستهدف من خلاله إعادة الدم إلى شرايين ميليشياتها في العراق وسورية واليمن وبالطبع حزب الله في لبنان. السعودية هي الخصم الأكبر لإيران في كل قطر عربي تحاول صبغه بالفارسية، ومن ثم تطمح إيران إلى تحويل المعركة إلى الداخل السعودي، عسى أن تنكفي المملكة داخلياً؛ لتتمكن إيران من حسم المعركة، ولاسيما أن صفعة «عاصفة الحزم» ما زالت موجعة لإيران، وإن كانت استغلت المعركة في اليمن وحوادث كحادثة القديح، لتغيير الشيطان الأكبر من أميركا إلى السعودية؛ لأن بضاعة «تسقط أميركا» لن تجد سوقاً بعد التوقيع على الاتفاق النهائي. قدر المملكة وحلفائها أن تخوض حرباً مع إيران؛ لحماية العرب من الطموحات الإيرانية، وكل بؤر الاشتعال تعد أوراق لعب في تقدير إيران، وستظل تقاتل لتربح كل المعارك، ستهاجم المملكة داخلياً وستقتل في اليمن والبحرين وسورية في سبيل الحلم، وستمارس الهجمات الإلكترونية، كما حدث لموقع وزارة الخارجية، ولن يقف سداً منيعاً لتلكم الطموحات سوى الوحدة الوطنية وتضامن العرب. وكما شهدنا حزماً وحسماً ضد كل تصرف عنصري، لم يستثنِ حتى الأمير حين أساء إلى مواطن، ولتحقيق العدل والمواطنة الحقة يجب أن يسن قانون ضد العنصرية بين مختلف شرائح المجتمع، وأن يُجرم كل من يحرض على القتل ونشر الضغينة بين أبناء هذا الوطن، الذي جمع شتاته الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، والذي كان وسيبقى وطناً قوياً منيعاً، وموطناً جمالُه الأخَّاذ هو تلك الفسيفساء المتنوعة من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه. * نقلا عن "الحياة" اللندنية