الحوار الذي أجرته قناة «الجزيرة» مع قائد «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني، أثار جدلاً واسعاً في أوساط سياسية وصحافية. النقاش ليس في مبدأ إجراء الحوار أو عدم إجرائه. الحصول على حديث مع الجولاني يُعدّ سبقاً صحافياً كبيراً بكل المقاييس. القضية هي كيف أُجرِيَ الحوار؟ ما هي الصورة التي ظهر فيها الجولاني؟ هل قُدِّمَ كرئيس تنظيم إرهابي، أم كبطل يدافع عن حقوق السوريين، ويمثلها؟ الجولاني حاول طمأنة الأقليات، لكنه وصف كل الفصائل الإرهابية التي تقاتل، وتتقاتل على الأرض السورية بأنها تضم مسلمين، وإخوة، وأن ما بينه وبينها خلاف، وإن شئت اختلاف في الاجتهاد. وهو تحدَّث عن أهل الطوائف والمذاهب في سورية بلغة مذهبية موغلة في الإقصاء. اعتبر أن العلويين ليسوا من أهل الإسلام، وأشار إلى ثارات معهم، وتحدّث عن هدم القبور، وتصحيح عقائد الناس، انطلاقاً من رؤية سلفيّة ضيّقة، وهو أكّد أنه جاء لنشر دين الله عز وجل، معتبراً سورية بلداً فيه كفّار يجب هدايتهم أو قتالهم. لكنه كان «كريماً» مع المسيحيين، وقال إن النصارى الآن لا يقاتلون مع النظام، ولهذا لن نحاربهم، وسيُترك أمرهم إلى حين النصر، والنتيجة طبعاً ستكون إما الإسلام وإما الجزية. من تابع حوار الجولاني يشعر بأن ساعة الزمن عادت 1400 سنة. الأهم أن الجولاني قال إن «جيش الفتح» جمع مبارك، وهو نتاج غرفة عمليات للتنسيق بين الفصائل، وأُقِرَّت تسميته بـ «جيش الفتح»، وقائم على مبدأ الشورى. وهو لمّح إلى أن «جيش الفتح» سيكون الصورة النهائية لهذا التحالف بين «النصرة»، و «القاعدة»، وبقية الفصائل. نحن إذاً أمام نسخة جديدة للتنظيمات الإرهابية، باسم «جيش الفتح»، وهذا يعني أن القوى التي تدعم هذه الجماعات تريد أن تعاود إنتاج الإرهاب في شكل مختلف، بعيداً من صورة «القاعدة»، و «جبهة النصرة» التي نشأت كذراع لتنظيم «القاعدة» في الشام عام 2011، وخلق تنظيم جديد يمكن الحوار معه، ومدّه بالسلاح والتدريب، فضلاً عن أن الجولاني سعى إلى القول «إننا نعمل في الشام فقط». وربما كان المطلوب منه أن يتبرّأ من «القاعدة» لكنه لم ينجح، أو لم يستطع. حوار الجولاني كشف أن «النصرة»، بالتالي «جيش الفتح» هو الصورة المحسّنة من تنظيم «القاعدة»، وأن مسلسل الإرهاب في المنطقة سيكون مثل فيلم «رامبو»، له نسخ متعددة. لا شك في أن حديث الجولاني إلى قناة «الجزيرة» مؤشّر إلى بداية مرحلة جديدة للتنظيمات الإسلامية الإرهابية في سورية، تُنذِر بحرب طويلة ومفزعة في هذا البلد. الأكيد أن حوار الجولاني كان أشبه بحوار مع مرشحين للرئاسة. الرجل أعلن برنامجه الإرهابي لحكم سورية، ومن أهم بنوده الثأر، والجزية، وتصحيح عقائد الناس.