أكثر ما لفت انتباهنا أن وزير الخارجية السعودي الجديد عادل الجبير كان واضحا في التعبير عن الموقف من سوريا، بما يعكس ما دار في أول نشاط له بعد تقلده منصبه في القاهرة. قال إنه اتفق مع نظيره المصري على أنه لا مكان للرئيس السوري بشار الأسد، ولا بد من «إخراجه» من أجل التوصل إلى حل سياسي، وأن الحل السياسي يقوم على المحافظة على المؤسسات العسكرية والمدنية هناك. وهذا دفع وزير إعلام الحكومة السورية إلى تغيير لغة الشتائم البذيئة هذه المرة باتجاه الجبير! فإذا كانت السعودية ومصر فعلا اتفقتا على إخراج الأسد فإنه في نظري تطور نوعي ومهم، لأن الحكومة المصرية كانت دائما لا تحبذ الحديث عن تغيير في سوريا، بِما يوحي أنّها ضد الثورة هناك. كما أن حكومة دمشق تبرعت مرات كثيرة في السابق بالتعبير عن موقف مصر، مؤكدة أنها ضد التغيير ومع نظام الأسد، وضد الموقف الخليجي. وقد ظل الموضوع السوري محل اختلاف هادئ بين الرياض والقاهرة حتى سمعنا ما نقله الوزير الجبير عن اتفاق حول سوريا دون الأسد، وفوق هذا اتفاق الجانبين على ضرورة إقناع روسيا بتغيير موقفها، كونها لاعبا مهما في الإقليم، وسببا رئيسيا في بقاء الحكم الأسدي كما هو حتى الآن. لماذا التغيير؟ هناك ثلاث تطورات خطيرة وقعت خلال الأسابيع القليلة الماضية تفرض على الجميع تعديل مواقفهم. «داعش» نفذ عمليتين إرهابيتين كبيرتين لأول مرة داخل السعودية، وفرع «داعش» في ليبيا استولى على مدينة سرت النفطية، وقبل ذلك استولى التنظيم الإرهابي نَفْسُه على عاصمة محافظة الأنبار العراقية. التشاور المصري السعودي، مع التصريحات الغربية المشابهة، المؤيدة لحل سياسي وسط، قد تعني أن الجميع باتوا مستعدين لتنازلات متبادلة، وأن هناك حلا معقولا قد يرضى به معظم الأطراف المختلفة. الاتجاه هو نحو بلورة نظام هجين لسوريا، حكومة من النظام الحالي مع المعارضة، دون الأسد، والمحافظة على هيكل الدولة، والمحفز للفرقاء المختلفين أن يتفقوا نحو تنظيم «داعش» الذي صار يحكم معظم سوريا، في حين بقي للنظام والمعارضة المعتدلة معًا نصف سوريا. وخطر تنظيم داعش بقدراته التي استولى عليها، وتمددّه إلى العراق، وأقرب امتحان لهذا الاختيار مؤتمر المعارضة السورية الذي تبنته القاهرة ويعقد على أرضها بعد أيام، ويشارك فيه مائتا شخصية، والذي لا يزال محل جدل كبير، خشية أن يكون مجرد فصل آخر من مؤتمر المعارضة السورية الذي عقد قبل أسابيع في العاصمة الروسية وفشل فشلا ذريعا لأنه كان مجرد مسرحية لتلميع النظام والمعارضة المحسوبة عليه. إذا نجح المصريون في جلب معارضة الداخل متعهدين بتأييد الحل الوسط، نظام هجين دون الأسد، سيُصبِح خطوة كبيرة ونجاحا كبيرا للسياسة المصرية. لكن من قوائم المدعوين الأولى تبدو أنها وجوه منتدبة من نظام الأسد، وستعمل بجهد كبير من أجل إفشال المؤتمر. هذه المعارضات محسوبة على النظامين السوري والإيراني، ولم يصدق أحد منذ البداية أنها أصلا معارضة، بل واجهات للحكم. مع هذا يبقى لدى مصر قدرة على تنظيم مؤتمر ينسجم مع التوجه الدولي الجديد، وقد يمكنها إقناع روسيا بالقبول بحل النظام الهجين.