كيف يتصرف مرشحو الرئاسة عندما يتخذ حزبهم منحى بعيدا عن التيار السائد في قضية ما؟ لنأخذ موضوع العراق كمثال، ففي لقاء مع قناة «إم إس إن بي سي»، أشار مقدم البرامج والمحاور ستيفين بينين إلى أن مرشحي الانتخابات الجمهوريين ما زالوا على قناعة بأن غزو العراق في 2003 كان «قرارا صائبا من قبل الولايات المتحدة». وعلى الجانب الآخر، يجمع الديمقراطيون والمستقلون على أن قرار الغزو كان «خطأ». ويقلل بينين من حجم المشكلة قائلا: «قد يدرك الناخبون المحافظون، ولأسباب لا تبدو منطقية نهائيا، أن العراق لم يكن به أسلحة دمار شامل، في حين دفعت الولايات المتحدة أرواح آلاف القتلى في تلك الحرب، وتسبب ذلك الإخفاق في زعزعة استقرار المنطقة بالكامل، وما زلنا نحاول إعادة بناء مكانة ومصداقية الولايات المتحدة على مسرح الأحداث الدولية، إلا أن ذلك كله لا يقنعهم». لكن قد لا يكون المحافظون مدركين لهذه المعلومة، فقد أظهر استطلاع للرأي أجري بداية العام الحالي أن نصف الجمهوريين، ونصف مشاهدي قناة «فوكس نيوز»، صدقوا أن الولايات المتحدة قد عثرت بالفعل على برنامج تسليح نشط في العراق، بينما أظهر استطلاع كان قد أجري قبل ذلك أن 63 في المائة من الجمهوريين اعتقدوا في وجود تلك الأسلحة غير الموجودة في الأساس، لكن ليس لدينا استطلاعات رأي حول أي من مزاعم بينين الأخرى، إلا أن أغلب المحافظين لا يصدقونها أيضا. وهم ما زالوا يتساءلون «هل حدثت زعزعة لاستقرار المنطقة؟» وقد يعتقد البعض أن صدام حسين كان على صلة بـ«القاعدة»، أو أن زيادة القوات عام 2007 قد وضع نهاية لكل النزاعات في المنطقة، وأن كل الأمور قد ساءت بمجرد أن وطئت قدما باراك أوباما البيت الأبيض، وقد يعتقدون في صحة الأمرين. إذا كان هذا ما ردده كبار الساسة من الجمهوريين طوال العقد الماضي، فلماذا لا يصدقه الناخبون الجمهوريون إذن؟ يتطلب تغيير رؤى الناخبين قدرا مناسبا من التوعية، إذ إن ذلك الأمر ليس مباراة فوز وخسارة للناخبين، فأغلبهم قد دخل ساحة السياسة الداخلية بعد فترة من بداية الحرب، إلا أنهم ليس لديهم الرغبة في افتعال الشجار مع مؤسسة السياسة الخارجية التي ما زال ينظر لها بعين الاعتبار داخل الحزب. يظل أن الرهان الأفضل هو أن تتمنى أن يتحول الجدل نحو أخبار سيئة بشأن العراق، وسوريا، وليبيا وغيرها أثناء فترة رئاسة أوباما، بصرف النظر عما إذا تطورت الأحداث في النهاية بشكل مشابه لما جرى في 2003، وهذا ما سوف يحدث غالبا. ربما لن يواصل الإعلام تركيزه على قرار 2002 - 2003، ولن تثيرها هيلاري كلينتون خلال الانتخابات العامة. الغريب في الأمر أن الجمهوريين لم يتخلوا عن ذلك الخطاب، أو طريقة التفكير، أو من وراء تلك السياسة الكارثية. يذكرنا هذا بحالة مماثلة عندما استبعد أعضاء الحزب الديمقراطي عام 1970 كل من تورط في حرب فيتنام. وبالنسبة للجمهوريين، ليس واضحا ما إذا كانت تكلفة التعامل مع إخفاقات عهد جورج بوش الابن على المدى القصير سوف يتم تسديدها في الانتخابات. تقديري الشخصي هو أن الجمهوريين قد دفعوا الثمن بالفعل في انتخابات 2006 و2008، ولذا لن يتكبدوا المزيد من الخسائر أيا كانت الفجوة بينهم وبين توجه الرأي العام فيما يخص العراق. هذا إذا لم يتسبب الاحتفاظ بالأشخاص والأفكار التي قادتهم للحرب في العراق في إخفاقات سياسية أخرى في المرة القادمة التي يفوزون فيها بالبيت الأبيض، وهو أمر وارد للأسف. تقديري الشخصي هو أن الفارق يكمن في صياغة السؤال، لا في زيادة وعي واطلاع الجمهوريين بمرور الوقت. * بالاتفاق مع «بلومبيرغ»