في خضم أجواء الحزن والدموع والحسرات سطرت السيدة كوثر الأربش والدة الشهيد محمد العيسى وخالة الشهيدين عبدالجليل ومحمد الأربش الذين قتلوا غدراً في تفجير الجمعة الماضي في الدمام، سطرت بياناً عن ابنها الشهيد محمد خاصة والحادثة بصفة عامة حمل البيان في كل ثناياه وفي كل كلماته وأحرفه أبلغ معاني الحزن وأعظم المشاعر التي كتبت بكل إيمان وبكل شجاعة وثقة وطنية وإنسانية واجتماعية رغم بلاغة حجم مشاعر الحزن التي كانت تعم الأنفس والأسر والحي والوطن ككل.. فالأم والمسلمة والمواطنة كوثر الأربش تحدثت بصوت عال ومسموع في المجتمع السعودي وأكدت على نبذ الطائفية والفرقة والإقصاء ودعت للالتزام بأنظمة الدولة وقوانينها ودعت لمراجعة الموروث الشيعي الفكري والثقافي. إن ما سطرته السيدة كوثر الأربش سيبقى عبر التاريخ معلقة العصر ومحل احترام وتقدير وفخر اجتماعي وإعجاب وطني وإنساني من كل أبناء هذا الوطن.. هذه الشجاعة التي أكدتها هذه الأم الثكلى في ابنها وأقربائها قدمت إيمانها بالله ثم وطنيتها فارتقت بحسها الوطني فوق كل أحزانها رغم صعوبة الظروف المحيطة بها!! وقالت: "محمد ما كان في يوم ما طائفياً أو إقصائياً أو نزّاعاً للفرقة. قََتَله الطائفيون والإقصائيون والنزاعون للفرقة. ذهب محمد عارياً إلا من دمه، ليرينا أن الأبطال ليسوا بالضرورة أن يكونوا كبارًا، الصغار يفعلون الأشياء العظيمة أيضًا. وبعد كل هذا الحزن يبقى هناك صوت للحقيقة بدواخلنا يجب أن نفهمه جميعاً: كلنا مستهدفون في لحمتنا، في نسيجنا، في تماسكنا، في قناعتنا التامة أننا وطن واحد، من قطيفه شرقاً، لرفحائه شمالاً، لجدته غرباً ولنجرانه جنوباً. نحنُ مستهدفون كي لا نتذكر بأننا جميعاً مسلمون نشهدُ ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأننا نصلي تجاه ذات القبلة، وأننا نرى الاختلاف ثراء وزيادة لا قتلاً وتدميراً وأحزمة ناسفه. إن ما أريد أن أقوله لكم جميعاً بالكثير من الصدق وبالكثير من الحب: - أن لا ننجر لأتون الفرقة ودعاوى الطائفية والإقصاء. - لا.. لأي حشد شعبي ولأي عسكرة خارج إطار الدولة. - بيوتنا الداخلية. أفكارنا، موروثنا، ثقافتنا. كل هذا علينا مراجعته كنت دائماً خصيمة عنيدة للطائفية، والتطرف والكراهية واختطاف العقول واستغفال البسطاء، ولو كان ذلك في بيتي. لم أدخر جهداً ولا وقتًا لمحاربة الضغائن والتحريض والإرهاب، سنياً كان أو شيعياً. كان ذلك قبل وبعد أن خسرت الكثير من علاقاتي، منهم من كان من عائلتي ومنهم من كان من أقربائي وما زال ذلك يحدث لي حتى بعد أن فقدت ابني. لطالما اتهموني بأني أحرض عليهم، وأنا ما حرضت إلا ضد الكراهية والتطرف والطائفية والإرهاب والجهل. وكنت كلما قاسيتُ أذىً وشتمًا وتهديداً تشتد عزيمتي وإصراري على عدوي الأول وهو التطرف.. أحمد الله أنه لم يكن لي ابن كارهاً، محرضاً، طائفياً مؤذياً للناس. بل افتدى الناس وذهب هو. كما أعزي أم قاتل ابني وأعظم لها الأجر. لقد اختار ابنك خيرة الشباب وأنقاهم، ولو بذل جهده لينتقي لم يكن انتقاؤه بكل هذه الدقة، وأنا على معرفة تامة أن قلبكِ الآن كقلبي.. حزين وباكٍ. كما أعزي بهذا الفقد الكبير كل أهلي وأخوتي وأبناء عمومتي وأبناء وطني الغالي. مصابي مصابكم، وكلنا في خندق واحد". كم هي عظيمة السيدة كوثر الأربش.. لم تنعَ نفسها وأسرتها ووطنها فقط.. بل حملت رسالتها تعزيتها لوالدة قاتل ابنها وقاتل أبناء شقيقتها!! فأي إيمان تملكه هذه المرأة في هذا الموقف العصيب؟! وأي تواضع تجسد في قلب هذه الأم في هذه اللحظات!! وأي إنسانية تحملها هذه السيدة في نفسها في هذه الظروف العصبية جداً!! وأي تماسك حضر في جسد هذه الإنسانة حتى تنعى أم قاتل ابنها!! هي شجاعة وهي مبادرة قل أن تتكرر في الرجال قبل النساء!! لكن هذه هي نعمة الإيمان الخالص بقدر الله سبحانه وتعالى فهنيئاً لك أيتها السيدة المؤمنة بهذا الكنز الإيماني وهنيئاً لنا بك كأم مثالية في إيمانها وفي إسلامها وهنيئاً لأسرتك كمربية.. وهنيئاً لنا في هذا الوطن بك وبأمثالك!! إن ما سطرته السيدة كوثر الأربش سيبقى عبر التاريخ معلقة العصر ومحل احترام وتقدير وفخر اجتماعي وإعجاب وطني وإنساني من كل أبناء هذا الوطن.. هذه الشجاعة التي أكدتها هذه الأم الثكلى في ابنها وأقربائها قدمت إيمانها بالله ثم وطنيتها فارتقت بحسها الوطني فوق كل أحزانها رغم صعوبة الظروف المحيطة بها!! فهنيئاً لك أيتها المرأة المسلمة بهذا الإيمان وهنيئاً لمحمد بهذه الشهادة.. وخير ما نرد على السيدة كوثر به هو قول الله سبحانه وتعالى (..وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).