علي القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين ونائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء وأبرز المختصين بالتمويل الاقتصادي الإسلامي، قال: «إن القرآن تنبَّأ في آياته بالأزمة المالية العالمية، وحمل توقعات للأزمات المالية العالمية، بما فيها أزمة عام 2008، بسبب الربا السائد في العالم». وأضاف في بحث ألقاه في مؤتمر «الإعجاز العلمي في القرآن والسنّة» في مدريد، أن «موريس آلي، الاقتصادي الفرنسي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، ذكر في كتابه حول الشروط النقدية لاقتصاد السوق أن «شروط إعادة التوازن الى الأسواق تقوم على ألا تزيد الضرائب على 2 في المئة، وأن يكون معدل سعر الفائدة في حدود الصفر (أي بلا ربا) معتبراً أن ذلك يتطابق وينسجم تماماً مع مبادئ الاقتصاد الإسلامي»، ولفت القره داغي إلى أن «القرآن وفّر إخباراً غيبياً تحقَّق فعلاً خلال الأزمات المالية، بخاصة الأزمة المالية الحالية التي بدأت من عام 2008 وما زالت آثارها قائمة إلى اليوم، وذلك بأنه تنبّأ بهذا الانهيار في قوله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا)». لا جدال في تحريم الربا. ولن نحاجج القره داغي بالقول المنسوب إلى الخليفة الراشد الإمام علي بن أبي طالب: «لا تُخاصِمْهم بالقُرآن؛ فإنَّ القُرْآن حمَّالُ أوجُه، ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكنْ حاجِجْهم بالسُّنّة؛ فإنَّهم لن يَجدوا عنْها مَحيصاً»، لأنه غير صحيح. ولا بالقول المنسوب إلى ابن عباس «القرآن ذو وجوه، فاحملوه على أحسن وجوهه»، وفي رواية أخرى: «القرآن ذلول ذو وجوه، فاحملوه على أحسن وجوهه»، وهو محل شك أيضاً. لكن القول أن القرآن تنبأ بأزمة عام 2008 استناداً إلى تحريم الربا تسطيح للفهم واختزال للنص القرآني. لا يَنبغي للقره داغي أو غيره أن يحمّل الآيات ما لا تَحتمل، ويَستَخْرج منها ما لا تدلُّ عليه. مرونة القرآن منهج لسعة الشريعة، وليست أداة للتأويل والتفسيرات غير المنطقية، إلى درجة أن بعضهم جعل القرآن كتاب فيزياء، وتارة كتاب فلك، واليوم يجعله القره داغي تقريراً اقتصادياً. هذا الاستنباط العجيب الذي توصل إليه الباحث معاودة لترويج ما يسمّى «الإعجاز العلمي في القرآن» الذي ساد في بداية سبعينات القرن الماضي، وهو علم مزيف وقائم على الوهم. القرآن لم ينزل على النبي ككتاب إعجاز علمي، بل لهداية الناس وعبادة الله وتوحيده. لا شك في أن تفسير القرآن، المستند إلى ما يسمّى الإعجاز العلمي، يبدو منطقياً عند غالبية الناس، لكنه لا يستند إلى علوم القرآن، وهو تغييب للعقل، وتشويه للعقيدة، ومؤشّر إلى هزيمة حضارية وفكرية. الأكيد أن تفسير القرآن بهذه الطريقة خطأ في أحسن الأحوال، وخطر في الأسوأ. وتقديم القرآن على أنه يطرح حلولاً في الطب والاقتصاد والرياضيات والفلك، أشبه بفكرة خلق القرآن، فاختلاف هذه النظريات، التي بُنِيَ عليها هذا التفسير، قد يُفضي إلى صرف الناس عن القرآن.