كنت وما زلت مقتنعًا بأن وسائط التواصل الاجتماعي في الإنترنت (السوشيال ميديا)، هي وباء العصر. لولاها، ما ازدهر تنظيم «داعش»، وأخواته، وما كان للفتن الطائفية والاضطرابات الأهلية في المجتمعات، أن تصل إلى هذه المستويات الخطيرة. ولولاها لما وجدت شبكات الجريمة في المخدرات والدعارة، وغيرها، عالمًا جديدًا من «الزبائن» والمنخرطين في فلك هذه النزعات. حين تفتح كل الأبواب على بعضها، وتنزع منها عراها، فأنت - بعيدًا عن رومانسيات حرية التعبير وحرية تداول المعلومات - تتيح الفرصة لتبادل الخبرات السيئة بين بني البشر. لن أتحدث عن جناية الـ«سوشيال ميديا»؛ «تويتر» مثلاً، على العلاقات الطبيعية بين أفراد الأسرة، والأصدقاء؛ حيث سلبت هذه الوسائط، الدقائق التي كانت تمضي في صالح الاتصال الإنساني الصحي، ومن الملح في هذا الصدد، أن كثيرا من الأمهات والآباء، من المسنين طبعا، صاروا يشترطون على أولادهم وأحفادهم أثناء الزيارة، وضع هواتفهم الذكية خارج المجلس بسلة خاصة! هذه أضرار على المدى البعيد مدمرة للصحة النفسية والعلاقات الطبيعية، خاصة للمراهقين، ويأتي على رأس المخاطر من هذه الـ«سوشيال ميديا»، توفير الفرصة لشياطين «داعش» لتجنيد الجهلة من الكبار والصغار، وإصابتهم بعدوى التنظيم، كما نرى كل يوم من الصبية والصبايا الذين يتقاطرون على خلافة «داعش» من مشارق الأرض ومغاربها، ومن كل عرق ولون. هل كان هذا الأمر ليتم بسهولة، لولا وجود شبكات التواصل، التي تتيح للشيطان الداعشي الوصول إلى الشاب والشابة.. الطفل والطفلة، في غرفته الخاصة، والأب والأم في غفلتهم يعمهون، أو تراهم هم أيضًا يعبثون في هذه المواقع؟! إنه وباء، فعلاً، يجب التصدي له، لذلك تعقد منظمة اليونيسكو المعنية بالثقافة والتربية، في مقرها بباريس، منتصف الشهر الحالي، مؤتمرًا لدراسة السبل الكفيلة بمكافحة التشدد والتطرف لدى الشباب في الإنترنت. إحصائية ذكرتها المنظمة تشير إلى أن هناك ما يقرب من 1.2 مليار شاب في العالم اليوم، تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، في وضع اقتصادي ليس جيدًا، مما يعني أن هؤلاء أهداف لوباء الـ«سوشيال ميديا». تجار الـ«سوشيال ميديا»، الذين يجنون المليارات من إدمان الناس على خمرهم، يقللون من حقيقة الخطر، ويصنعون واقعًا مزهرًا لأثر تطبيقاتهم. ومن أدهى الحيل النفسية التي يروجها هؤلاء، إشعار الممتنع عن الولوج لعالمهم، بأنه متخلف، وأيضًا ربط مصالح الناس بهم، في تحالفات مدمرة مع شركات الخدمات الأخرى. خذ لديك هذا المثال؛ حيث يقول «تيم تاتل»، المدير التنفيذي لشركة «إكسبكت لابس» (Expect Labs) الناشئة، محذرا من البعد عن التطبيقات المعاصرة: «تتمثل القضية في المخاطرة بكونك مواطنًا من الطبقة الثانية إذا لم تكن لديك الأدوات المتوفرة لدى الأشخاص الآخرين». الكل يشتكي، ولكن لم يتقدم أحد حتى الآن لمكافحة هذا الوباء. الكل يعلم ويقر حين تناقشه، حتى وإن غالط قليلاً، ولكن، ماذا بعد؟ إلا إذا كانت هناك رغبة عامة في الفناء.. الله غالب.