عندما يجلس الرئيس بشار الأسد في قصره في دمشق، ويتابع التغييرات التي حصلت في مواقف القوى الغربية من حكمه ومن نظامه، منذ أربع سنوات الى اليوم، سيشعر من دون شك بالفخر وبالانتصار، لأن كل ما عمل من أجله وما حلم به طوال هذه السنوات، يتحول الآن الى واقع أمام عينيه. ليس قليلاً ان يتحدث المبعوث الدولي الى سورية عن بشار الاسد فيقول انه «يجب ان يكون جزءاً من الحل لتخفيف العنف في سورية». دي ميستورا ممثل الامم المتحدة (أي المجتمع الدولي) لحل النزاع السوري، وليس معلقاً سياسياً أو كاتباً صحافياً. وبهذا المعنى فإن لكلامه مدلولاً كبيراً مهما حاول تفسيره أو التخفيف من وقعه على معارضي الاسد. انه يعني ان الأسد لم يعد عقبة في الازمة السورية، ولم يعد رأسه (بالمعنى السياسي) هو المطلوب، كما كان تصوّر كوفي انان والاخضر الابراهيمي (عندما كان الحديث عن هيئة حكم انتقالية بصلاحيات كاملة). بل نحن امام مرحلة وتصوّر جديدين، فالرجل الذي اطلق سلاح العنف في سورية بجدارة وشراسة، ليحمي بقاءه في الحكم، هو الرجل الذي تتم دعوته اليوم من قبل ارفع هيئة دولية للمشاركة في وضع حد لهذا العنف! ماذا يعني هذا سوى ان خطة بشار الاسد لإخضاع السوريين قد نجحت؟ وأن الشعار الذي استخدمه منذ بداية حربه على شعبه: أحكمكم أو أقتلكم، أثبت صلاحيته لابتزاز العالم، الذي يدعوه اليوم الى التكرّم بوقف القتل، مقابل صيانة موقعه على رأس السلطة. هكذا صارت الحرب على الارهاب، التي أعلن الاسد أنه يخوضها ضد شعبه (تجفيف المستنقعات لتنظيفها من الجراثيم)، منذ اليوم الاول للثورة ضده، حرباً يخوضها العالم كله معه. صارت الحرب على «داعش» هي نقطة التقاء القوى الغربية في تحالفها في سورية والعراق ضد هذا التنظيم. وصارت قواعد «داعش» أهدافاً لطائرات هذه القوى ولقنابلها، بعد أن كانت المعارضة السورية تطالب بأن تكون القواعد التي ينطلق منها الطيران السوري هي الأهداف المطلوبة للحملات الغربية. بل ان الأسد يفاخر الآن ان المعلومات تصله «عن طريق أطراف ثالثة» حول هذه العمليات، ما يمنع أي احتكاك او مواجهة بين المقاتلات السورية ومقاتلات التحالف في الاجواء السورية. الدعوات الى إسقاط النظام، والمهل والانذارات التي ظل يكررها الرئيس الاميركي مطالباً الاسد بـ «الرحيل»، تحولت الآن الى دعوات له «للتفكير في عواقب أعماله». في آب (اغسطس) 2011، بعد ستة اشهر على انطلاق الثورة السورية، قال اوباما: «ان مستقبل سورية يجب أن يقرره شعبها. لكن الرئيس الاسد يقف في طريقهم. ومن اجل مصلحة الشعب السوري، جاء الوقت ليتنحى الاسد جانباً». اما الآن فان كل ما يطالب به وزير الخارجية جون كيري هو دعوة الاسد «الى الاهتمام بمصلحة شعبه والتفكير في نتائج اعماله التي اصبحت تجلب المزيد من الارهابيين الى سورية»، متجاهلاً ان الاسد هو الذي يتحمل المسؤولية الاكبر عن اطلاق هؤلاء الارهابيين من سجونه والسكوت عنهم وعدم التعرض لمواقعهم، في الوقت الذي كانت قواته تصب حممها على الاطراف المعارضة الاخرى. هذه الاطراف التي اعتبرها الرئيس الاميركي «وهمية»، وجاء الاسد في حديثه التلفزيوني الاخير ليستشهد بأوباما للتأكيد على عدم وجودها! لا يمكن ان يوصف ما يحصل في مواقف الدول الغربية حيال نظام الاسد بأقل من انقلاب. الاميركيون هم الذين يباركون الآن الدور الروسي في «حل» الازمة السورية، من خلال تأييدهم للقاءات الاخيرة التي جرت في موسكو بين بشار الجعفري و»المعارضين» الذين عيّنهم النظام في هذه المناصب. بل ان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية قالت ان واشنطن «تشجع» هؤلاء «المعارضين» على الذهاب الى موسكو. لم يكذب سيرغي لافروف هذه المرة عندما قال ان هناك قناعة كاملة في الغرب ان لا بديل في سورية عن الحل السياسي. والحل السياسي هنا لا يعني سوى حلّ بشروط بشار الاسد، الذي تمكن من الانتصار على شعبه بفضل السلاح الايراني والفيتوات الروسية والتخاذل والدجل الاميركيين. عندما تصل الازمة السورية الى الحل السياسي المنتظر، ويكمل بشار الاسد ولايته الحالية في عام 2021، يكون قد مضى خمسون عاماً (اي نصف قرن) منذ تولى والده حكم سورية ... وحافظ الابن بالانتظار. *نقلاً عن جريدة "الحياة اللندنية"