رمضان فرصة من أجل تلمس قبس من نور يضيء عتمة ما نعيشه اليوم، فالظلاميون الذين يعبثون بروحانية الدين وسمو معانيه وسلامة مقاصده باسم الدين، ارتكبوا جرمين؛ الأول عندما أخطأوا بحق الإسلام وعظمته، والجرم الثاني عندما استغلوه لتنفيذ مقاصدهم الخبيثة وأفعالهم التي لم نقرأها من قبل أو نسمع عنها من استباحة للدماء واشعال الفتن وايقاد الأحقاد في نفوس الناس، والعمل على تفريقهم بشعارات تفوح منها رائحة الكراهية والتطرف وإلغاء الآخر. يأتي رمضان هذا العام وقد ازدادت مواجع الجسد الإسلامي، وكأن المسلمين الذين عاشوا قبل مئات السنين لم يكونوا يوماً مشعلاً لحضارة أضاءت ظلام أوروبا، وكأننا نعيش مرحلة لتبادل الأدوار فغدا هذا العصر الذي نعيشه بمثابة عصور الظلام الأوروبية. ديننا الذي قادنا لحضارة عتيدة نرى شواهدها اليوم، لم يحض على التطرف أو الفرقة أو الفتن أو تصفية الخلق على قاعدة إن لم تكن معي فأنت ضدي. بل كان التنوع والوسطية وقبول الآخر، والتسامح والأمانة والقيم الصادقة والسامية، داعمة لحضارتنا وجاذبة لها. اليوم تقف المملكة التي تحتضن أهم رمزين إسلاميين روحانيين، موقفاً يفرض عليها أن تكون قائدة للعالم الإسلامي الذي تتنازعه الفرق والجماعات، التي لم تعِ بعد أن التنوع والاختلاف سنة كونية لا يستقيم الكون إلا بها. لذا أخذت دولتنا التي قامت على شرع الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - على نفسها الدفاع عن مفاهيم الوسطية والحوار ونبذ الطائفية والمذهبية وكل ما من شأنه زرع ما يشق صف أبناء هذا الوطن، والحث عليها كثوابت لا تحيد عنها، وإن حاول البعض من الداخل أو الخارج، إشاعة روح الكراهية والعنف، فإن الدولة لن يثنيها عن عقابه شيء، فالعبث بوحدتنا ووطنيتنا لا يغتفر ولايبرر مهما كان السبب أو المغزى. إن بلادنا كما أشار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في كلمته بمناسبة حلول شهر رمضان ماضية بالنأي بنفسها وبمواطنيها عن الفتن والقلاقل والاحتقانات الطائفية، لإدراكها أن ذلك لايتلاءم مع نهج الدولة التي أرسى قواعدها الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، الذي وحد تراب هذا الوطن الكبير على مبادئ ديننا الحنيف.