2015-10-10 

في انتظار الشريك الثالث

سمير عطا الله

كان صائب سلام رجل دولة ورجل زعامة. في الزعامة لا ينفلت وفي الحكم لا ينقبض. تحدَّر من عائلة بيروتية «مفتوحة الأبواب» أمام الناس، والنوافذ على الشارع البيروتي العربي، فكان في الأزمات يفتح الباب ويرد النوافذ. وكان يبدو عليه أنه تلقائي وشديد الصراحة والجرأة، لكن في الحقيقة كان كل شيء مُعدًا ومدروسًا ومُتحسبًا للهفوات. وكان أهم ما فيه معرفته خط الخطر في الشأن الوطني. دائمًا لا يقترب منه، ودائمًا يحاول منع الآخرين من الاقتراب. عاش حتى الثالثة والتسعين، لكنه غاب قبل أن يرى نجله البكر تمام في مقعده. منذ عام وتمام سلام في كرسي يجمع بين رئاسة الجمهورية المعلقة ورئاسة الوزراء. ومع أن الزمن تغيَّر، والقضايا ازدادت تعقيدًا، وخطوط الخطر تناسلت بلا حدود، فإن تمام سلام يتصرف كرجل دولة ورجل وطن. وسطي في كل شيء، ومتطرف في الحرص على السلم والوحدة وعدم الانزلاق السهل إلى الجنون والحراب. وفي بلد شاع فيه الشتم والتحقير والتعابير القليلة الأدب، يفتح تمام سلام صدره ويرفع لغته، ويعلي في هدوئه، ويعطي من حقوقه، خوف الإضرار بالإرث وبالثقة التي منحه إياها الناس، وتزداد يومًا بعد آخر. مهم في لبنان أن ينشأ الإنسان في بيت سياسي، لكن هذا لا يعني أن عددًا من الذين جاءوا من خارج تلك البيوت لم يؤدوا الأمانات بعظمة. ومن هؤلاء كان إلياس سركيس، الذي درس الحقوق في غرفة بلا كهرباء، وبدأ موظفًا في السكة الحديد، أقل دوائر الدولة شأنًا. ورفيق الحريري، الذي ذهب إلى السعودية مدرسًا بستمائة ريال. وحسين العويني، الذي كان أفقر حالاً عندما ذهب إلى جدة وعاد ليصبح وزيرًا ورئيس وزراء ودائمًا رجل المصالحات والاعتدال. ومن العائلات البسيطة خرج أيضًا الرئيسان عبد الله اليافي وشفيق الوزان، الأول دكتور في القانون من باريس، والثاني محام من جامعات لبنان. جميع رؤساء الحكومات أداروا الهيئة التنفيذية في مراحل صعبة لا تنقطع عن لبنان. لكنني لا أذكر مرحلة أكثر دقة مما فيه لبنان الآن. حتى مراحل الحرب الأهلية أيام رشيد كرامي وسليم الحص، لم تكن في مثل هذه الدقة المصيرية. فالحريق هذه المرة، أكبر من لبنان، وربما أكبر من المنطقة. وسوريا الضعيفة أكثر إخافة للبنان. والدور الإيراني يتخذ من لبنان منصَّة، وليس مجرد وجود محلي، والدول الكبرى التي كانت مؤثرة في الماضي، خسرت الكثير من حضورها. كان الحكم في لبنان يقوم، في صورته التقليدية، على رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة. ومن سوء حظه الشديد، أنه بلا رئيس للدولة. لكن من حسن حظه وجود رئيس برلمان في حكمة نبيه بري، ورئيس حكومة في حكمة تمام سلام. لولا الأمل برئيس من طينتهما، لقلنا إنهما يكفيان.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه