اختارت هيئة مكافحة الفساد كلمة "نزاهة" تعبيراً أو هِتافاً يبرر سبب وجودها كجهاز معني بمكافحة أشرس ما يمكن أن يواجه الدول، ويهدد مقدراتها، ويعرقل تنميتها، ويفسد عليها مشروعاتها وخططها، ويلقي بظلاله على المجتمع، ويعكّر صفو أخلاقه وما يمكن أن يعتز به. في منتصف الشهر الماضي التقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بمسؤولين في هيئة مكافحة الفساد "نزاهة" وجهات رقابية أخرى، وقال أمامهم: "يوجد في بعض الدول الأخرى ملوك دول أو رؤساؤها لهم حصانة عن الدعاوى، هنا يستطيع أي مواطن أن يرفع قضية على الملك أو ولي عهده أو أي فرد من أفراد الأسرة.."، وبالأمس نقلت جريدة "الرياض" في صفحتها الأولى تقريراً خطيراً صادراً عن هيئة مكافحة الفساد يفيد بارتفاع عدد الجهات غير المتجاوبة مع "نزاهة" من 9 العام الماضي إلى 16 جهة ترفض التجاوب مع الجهاز الحكومي المسؤول عن محاربة الفساد.. فمن أعطاهم هذه الحصانة؟ إن المتأمل لحال كثير من الشعوب التي أرهقها الفقر والعوز رغم وجود الموارد والثروات التي يمكن أن تعزز من قدراتها كدولة وترفع من مستواها الاقتصادي، يكتشف بأن ما جلب لها هذا التردي والتراجع على كل المستويات بدءاً من الوضع السياسي مروراً بالاقتصادي وحتى الاجتماعي؛ يقع جزء كبير منه على الفساد، فتأثير هذا الداء، والتهاون في مكافحته، وإعطاؤه فرصة للاستشراء يضعف من المجتمع، ويكسبه صفات سيئة، وأخلاقاً دميمة، ويحط من قدره، ويقلل من مكانته أمام الشعوب الأخرى، بل إن وصمة الفساد تصبح لزمة لذلك المجتمع. إن العبث بمقدرات بلادنا وتهديد نموها وازدهارها أمر خطير، لا يمكن غض الطرف عنه، فهو تهديد لاستقرارها على المدى الاستراتيجي، وهو كذلك تهديد لأجيالها الذين من حقهم أن يرثوا مجتمعاً سليماً مزدهراً ودولة قوية. إن عدم تجاوب أي جهة مع الأجهزة الرقابية في المملكة، إنما يدل على قلة وعي أو استهتار يستوجب التقويم، أو أمر يخشى رفع الغطاء عنه وكشفه، لذا فإن من الضروري اليوم تطبيق عقوبات واضحة وصريحة على جميع الجهات التي لا تتجاوب أو تتعاون مع تلك الأجهزة، بوصفها معرقلة لعمل جهاز حكومي، ولأنها أكسبت نفسها حصانة لا تستحقها.