تشتهر مدينة تدمُر لدى الغربيين بأطلال آثارها اليونانية الرومانية القديمة، لكن اسمها يثير القشعريرة في أبدان السوريين، فتدمر بالنسبة لهم تعتبر مرادفا للموت والتعذيب والرعب والجنون حيث تحتوي تدمر على أكثر السجون سيئة السمعة في سوريا. داخل سجن تدمر التعذيب بمثابة طقوس يومية أو رحلة طويلة من الألم والموت البطيء، واستغرق بعض السجناء أعواما حتى يستطيعوا رفع رؤوسهم وينظروا في أعين أي شخص يلتقونه وبحسب بي بي سي يقول الكاتب الفلسطيني سلامة كيلة الذي قضى عامين في السجن، بتهمة معارضة أهداف الثورة التي جاءت بحزب البعث إلى سدة الحكم في سوريا، ليس من العدل أن نطلق على هذا المكان سجنا، ففي السجن تتمتع بحقوق أساسية، لكن في تدمُر لا يوجد أي شيء، فأنت تعيش فقط في خوف ورعب ويوضح كيلة أن جميع المهاجع كان بها نوافذ مغطاة بأسلاك شائكة في الأعلى، تسمح للحراس بوضع السجناء تحت مراقبة دقيقة، مضيفًا لم نكن على دراية بما إذا كان الحراس يراقبوننا من أعلى أم لا، فلم يكن أحد ليجرؤ على التحرك من مكانه أو حتى يرفع رأسه لأن العواقب ستكون وخيمة. وتابع لم يكن يسمح للسجناء بالنظر إلى أعلى أو حتى النظر إلى بعضهم البعض. ويقول الكاتب السوري ياسين حاج صالح، مؤلف كتاب (الطريق إلى تدمُر)، والذي سجن هناك لمدة عام "لم أر عيون أي من السجناء الذين كانوا معي ولم ير أحد منهم عيني إلا بعد أن تركنا السجن، فالاتصال بالعين كان أمرا ممنوعا". ويضيف الشاعر فرج بيرقدار لـ بي بي سي "كنا نتعرف على الحراس من ألوان أحذيتهم لأننا لم نر وجوههم أبدا، وكان الحارس ذو الحذاء الأسود لطيفا، أما من يرتدي الحذاء الأخضر فكان عديم الرحمة" ويحدث معتقلون عن تعرضهم للإذلال والجلد والضرب طوال فترة سجنهم وعن هذا يقول الفلسطيني سلامة كيلة إن السجانين كان لديهم تصريح مفتوح بعمل أي شيء حتى القتل، مضيفا "حياتك ببساطة لا تساوي شيئا". وتفنن ضباط الجيش يتفنون في ابتكار طرق جديدة لإذلال السجناء، ويروي كيلة أنهم أمروه في إحدى الليالي بإخراج مئات الخفاف من المهجع بفمه، وظل يعمل طوال الليل لأداء المهمة وكان يحمل الخفاف بفمه فقط. وتحدث آخرون عن حادث آخر، أجبر خلاله الضباط اثنين من السجناء على رفع زميلهم من يديه وقدميه في الهواء ثم تركه ليسقط على الأرض، وعندما رفض أحد السجناء تنفيذ الأوامر تعرض لضرب شديد على رأسه وتوفي بعد شهر. وكان السجناء يصرخون لإنقاذ زملائهم الجرحي وتوفير العلاج والرعاية الطبية لهم، لكن الحراس كانوا يرفضون استغاثاتهم ودائما يجيبونهم "اطلبونا فقط لإخراج الجثث وليس لعلاجها ويتحدث سجناء سابقون غالبا عن الساعات الأولى لهم في سجن تدمُر وما أطلقوا عليه "حفل الاستقبال"، وهو المعاناة الأولية من التعذيب للسجناء فور وصولهم ونقلت بي بي سي قول سجين سابق لمنظمة العفو الدولية "سحبنا الحراس من الحافلة وجلدونا بوحشية وبلا رحمة، وفتشت الشرطة العسكرية ملابسنا واحدا تلو الآخر، ثم وضعونا داخل إطارات، أجبرونا على الدخول في إطارات سيارات، وتلقى كل شخص ما بين 200 و400 جلدة على قدميه". ورغم تلك الرويات وغييرها الكثير فإن تدمير المبنى جاء بمثابة صدمة للكثيرين الذي أرادوا أن يظل قائما ليكون شاهدا على سنوات القمع .واتهم سجناء سابقون تنظيم داعش بخدمة نظام الأسد بتدمير سجن تدمر لأنه كان شاهدا على وحشية النظام الاستبدادي. ويصف بيرقدار سجن تدمُر بأنه "مملكة الموت والجنون"، مضيفا أن وجود مكان مثل هذا "يجلب العار ليس فقط على السوريين ولكن على الإنسانية جمعاء". وقال اللبناني علي أبو دهن الذي قضى فيه أربع سنوات التنظيم هدم رمزا تاريخيا كان يجب أن يظل باقيا، لأن في كل حجرة تعرض أشخاصا للقتل".