في الشهور السابقة على شهر رمضان، اختبأ مؤلفو المسلسلات والمخرجون في مخابئ سرية حصينة وأخذوا يعدّون على مهل ذخائرهم وأسلحتهم ومعداتهم الفتّاكة المعروفة بالمسلسلات التلفزيونية. ومع انطلاق أول مدفع في شهر رمضان، وبمجرد انتهاء الناس من تناول طعام الإفطار وحتى قبل تناول القطايف والكنافة ومشروب قمر الدين المثلج، أي في تلك اللحظات التي يشعر فيها الإنسان أنه في أضعف أحواله، أطلق أصحاب المسلسلات مسلسلاتهم بلا رحمة على المشاهدين المساكين. وكنت أنا واحدًا من هؤلاء المساكين غير أن تاريخي الطويل في تلقي الضربات جعلني أكثر قدرة على تحمل هذه المسلسلات. وإن كانت دفعتني للتساؤل في تعاسة.. يا إلهي.. ما هذا الذي أشاهده؟ هل هي دراما فعلاً بأي مقياس من المقاييس؟ لكل شعب من شعوب الأرض ملامح تميز أعماله الدرامية مع التزامنا بتلك المقاييس الأرسطية أو تمردنا على بعضها. ولكننا جميعًا نتفق على تلك التقسيمة الشهيرة: التراجيديا، الكوميديا، التراجيكوميدي، ثم التقسيمات التحتية لكل نوع على حدة. قد تساعدني الأيام على تحويل هذه الزاوية إلى فصل دراسي نتناول فيه الدراما بأنواعها، أما الآن فاسمح لي أن أقول لك، إن الدراما المصرية بوجه عام تتسم بأنها مهتمة ومهمومة ومبهجة. هذه زواياها الثلاث أو أركانها الثلاثة، هي زوايا ملتصقة ببعضها في نعومة وبغير حدود تفصل بينها. لا تستطيع أن تعرف أين تنتهي حدود الاهتمام وتبدأ حدود الهم. كما لا تستطيع التعرف على تلك النقطة التي تحدد عندها البهجة. هي صفات للعمل الدرامي وهي أيضًا انعكاس لشخصية كاتب الدراما الأصيل. هو إنسان مهتم ومهموم، ولكنه أيضًا يحرص على تغليف العمل كله على غلاف شفاف. اكتشفت البطلة في مسلسلات سابقة أنها تستريح في أدوار الحزن الشديد، ولأن النجمة البطلة هي ست الكل في الإنتاج الفني لذلك حرص المؤلف والمخرج على أن تحزن وتحزن وتحزن. لقد توفي زوجها، والمؤلف لم يقل لنا كيف مات لكي نشاركها حزنها، وتبدأ في استعراض حزنها، في البيت وفي الشارع ولا يكتفي المخرج بذلك، ذهب بها إلى المدافن ومعها طفلها وطفلتها. في الغالب ستشعر بالفرحة فقط عندما تقبض أجرها عن المسلسل، لو أن مؤلفًا قدم مسلسلاً عن مسرحية هاملت، فسيحرص على توليد عشرة مشاهد من كل مشهد على حدة، لن يكتفي بأهم ميزة في الدراما وهي التكثيف والتركيز، بل سيمط ويمط، جملة أن أكون أو لا أكون.. هذا هو السؤال «To be or not to be that`s the question» ستتحول إلى حلقة كاملة، وربما حلقتين من الحوار بينه وبين البطلة.. هاتكون طبعًا يا حبيبي، هو فيه حد يعرف يكون إلا أنت يا روحي.. خايف يا حبيبتي أحسن ماكونش وتبقى مصيبة.. عيب يا هاملت تف من بقك إن شالله اللي يكرهوك.. إنت هاتكون وتكون يا حبيبي. ثم ظاهرة الإعلانات التي توصلك إلى درجة ألا تعرف أين مشاهد التمثيلية وأين مشاهد الإعلان؟ في أي مكان على وجه الأرض يعرضون إعلانًا بعد كل مشهدين في تمثيلية ما.