أن يحتجّ وعّاظ ودعاة على مسلسل يتناول شخصية داعية أو واعظ، ليس خبراً، ولكن أن يأتي احتجاج على مسلسل يحكي سيرة واحد من أساتذة جامعات، وفي مصر، فهذا خبر. وفي التفاصيل أن عدداً من أساتذة الجامعات المصرية قدموا خطاباً رسمياً إلى إدارة قناة «إم بي سي» يطالبونها بضرورة وقف عرض مسلسل «أستاذ ورئيس قسم»، وهدّدوا بمقاضاة القناة والعاملين في المسلسل إذا لم يتم وقف العرض، معتبرين أن العمل قدّم شخصية أستاذ الجامعة بوصفه طمّاعاً وانتهازياً عديم الخلق، وأساء إلى طائفة تمثّل مهنة سامية ونبيلة، وتعمَّدَ تشويه صورة عضو هيئة التدريس وأظهره بخلاف الواقع. تعوّدنا في مصر، خلال السنوات الأخيرة، على احتجاجات ضد أعمال درامية، يقدِّمها، غالباً، محامٍ محسوب على أحزاب وجماعات التيار الإسلامي، ولكن أن يأتي اعتراض على عمل فني من أستاذ جامعة، فهذا موقف جديد. ومعروف أن السُّخرية لا تتحدث عن الواقع، وتبحث عن التناقض، وأستاذ الجامعة شخصية مغرية للسخرية، فالتصور المثالي عنه لا يتطابق مع الواقع، وهنا تجد السخرية مجالها الرحب. لكنّ الذي فات الأساتذة المحتجّين، هو أن تناول شخصية أستاذ الجامعة بالسخرية دليل اعتراف بأهميتها، وحضورها، وقوة تأثيرها في المجتمع. أما اختيار شخصية الأستاذ اليساري للبطولة، التي يجسّدها الفنان عادل إمام، فهو أمر يقصده المؤلف، ذلك أن الشخصية اليسارية، إن شئت التقدُّمية، تتيح مجالاً رحباً للسخرية، لأنها تمتلك مادة ثرية في خطابها وشعاراتها، وتناقُض هذا مع الواقع الراهن. كان متوقعاً أن يستقبل الأساتذة المحتجّون، المسلسل، بتفاعل مختلف عن الشكوى، والضيق بالفن، وعدم التفريق بين السخرية والتسخيف. مثيرٌ للدهشة والاستغراب أن أستاذ جامعة في مصر ينفر من الفن الساخر، على رغم أن بلاده صانعة الساخرين المبدعين في كل مجالات الكتابة، فضلاً عن أنه يدرك أن السخرية لا تُقدِّم حقائق، بل خيالاً، وهي في النهاية مجرّد لعبة في اللغة أو معها، وفن من فنون الدراما. لا شك في أن هذا النوع من الاحتجاجات التي تضيق ذرعاً بالفن، وتسعى إلى التضييق عليه، مؤشر الى الخور الحضاري، وعلامة على البؤس الذي تعيشه ساحتنا الثقافية. الأكيد أن غضب أساتذة جامعات مصرية، من مسلسل -ومصر أم المسلسلات- دليل على «الصحونة» و «الأخونة « و»الدوعشة» و «الدروشة» التي استبدت بنا، ووصل تأثيرها إلى النخب في مجتمعاتنا.