خلال أشهر قليلة استعادت الرياض العلاقة الخاصة مع مصر. وأقامت علاقة انفراج مع تركيا. وسحبت السودان من تحالفاته السقيمة. وأنشأت أول علاقة استراتيجية مع روسيا. وأحيت شراكة سياسية وعسكرية واقتصادية مع فرنسا. وتحركت عسكريًا لوقف التمدد الإيراني في اليمن والخليج. وإضافة إلى ذلك، أعطت العلاقة مع الولايات المتحدة، في قمة كامب ديفيد، حجمها الطبيعي، الذي رسمه الأميركيون في عهد باراك أوباما. خلاصة المشهد المتعدد أنه بعد سنوات طويلة من سياسة المداراة، خرجت الرياض إلى سياسة المبادرة. لم يعد ممكنًا ولا مقبولاً أن تمضي في الانكفاء فيما تشتعل من حولها المحاور، وتنفجر الدول، ولا ترى من بعض شركائها التقليديين سوى الخذلان والابتسامات الدبلوماسية. لكل سياسة في الأمم ثمن وجدوى. للتراجع ثمن، وللمبادرة ثمن. كلاهما شديد الكلفة. وقد دفعت الرياض الثمن الأول في كل مكان: في العراق، وفي لبنان، وفي سوريا، وفي مصر، وفي اليمن، وفي غيرها. وكان سبب ذلك تحاشي تهمة التدخّل، أو الانحياز، والسمعة القديمة بأنها على مسافة واحدة في صراع الأشقاء. لكن تراكم الانكفاء لم يوقف الانهيار في العراق وسوريا والتدهور في لبنان، وما لبث أن بلغ الحدود في نجران. لم يعد الحياد ممكنًا، أو حتى شرعيًا. ولا عاد مقبولاً أن تشهد المملكة كيف تتغير الأولويات لدى شركائها وتبقى هي مكتوفة اليدين، بلا أولويات تحمي بها نفسها وشعبها وحدودها ووحدتها الداخلية وجوارها الحيوي والأخوي معًا. كان لا بد من تغيير في الاستراتيجية، وليس فقط في السياسات المتحولة. ومن ذلك، البحث عن حصانات بديلة، ليس فقط حيث أمكن، وإنما حيث يجب. لم تتوقف عند صعوبة الحلف الروسي الإيراني، بل قررت اختراقه. وقررت العودة إلى الصداقات القديمة في أوروبا بدءًا من بوابة فرنسا، التي كان الملك سلمان أكثر من عمل على تطوير العلاقة معها. والعلاقة بدأها الملك عبد العزيز أيام الحرب العالمية الثانية، وعمل على تعميقها الملك فهد بن عبد العزيز. ومن اللافت أن تطوير هذه العلاقة إلى ما وصلت إليه اليوم تم في عهدي رئيسين اشتراكيين، فرنسوا ميتران وفرنسوا هولاند. العقود التي وقعها الأمير محمد بن سلمان في موسكو وباريس، خلال أيام قليلة، تنبئ في حد ذاتها بطبيعة الشراكة. وواضح أنها مجرد بدايات في استراتيجية المبادرة الجديدة. وقد خرقت روسيا وفرنسا كل بروتوكول معمول به لتعامل الأمير محمد بن سلمان معاملة رؤساء الدول، في التشريفات، وفي طبيعة المحادثات. لا عداء مع أحد. ولكن المعاملة بالمثل. تلك هي شرعة العلاقات الدولية