" نحاصر بين مكارثية الموروث و ثقافة مستدعشة تُسهل اغتيال هويتنا العربية انسانيا " سمة الواقع العربي السياسي منه و الاجتماعي هو تجار دين يفتون في كل امر من الأنثروبولوجيا الى الاقتصاد و علوم الفلك , و دولاً تراوح خجلاً بين رغبة الانتماء للعصر مخافة خسارة امتيازات اليوم ، او فقدان القدرة على توظيف ثقافة الموروث . و اليوم ، ها نحن نقف على جدار من جدران الدم كما هو الحال في بعض ايام الجُمع عندما يقرر احمق كيف يدمينا بين بالتفجيرا ، نحراً او قتلاً بالرصاص لتصحو بعد ذلك الطوائف فيتلاشى الوطن و تتحول الهوية لبعض حطام ، و الانتماء الى اشلاء جواز سفر . ابشع صور التجاوز على هويتنا العربية يكمن في طغيان التمذهب الاديولوجي على كل أوجه حياتنا ، حتى باتت تراكماته الاربعينية ثقافتنا المعبرة عنا الانتماءً الوطني ، بتعريفاتً منغلقة على ذاتها مجترة للإنسان و التاريخ . سياسيا يجب الاعتراف ان بعض دولنا نجحت في تصديها لبعض الاعتداءات الخارجية ، لكنها فشلت في استثمار تلك الارادة الناتجة عن الظرف الزمني في تحجيم ثقافة الموروث الزاجرة لكل الانسان ، فكانت النتيجة المزيد من تدحرج داعش إلينا . في هذة المحطة سنجرم في حقنا نحن ان القينا كل اللوم على " نظرية التآمر الخارجي " ، لكن السؤال هنا ، هل كان جوني او مارك من فجر المساجد بمن فيها من مصلين ، او اغتال رجال الامن او سياح تونس . إم ان تلك الجرائم قد ارتكبها أشخاص يحملون أسمائنا و دمنا . تلك الحقيقة ستظل تصفعنا منذ نهاية سبعينات القرن الماضي و حتى الان ، و ان ادعينا الشجاعة فلتكن في شكل التعاطي المسؤول مع ثقافة الطوائف المؤدلجة بحزم بدل تسميتهم بالخوارج تارة ، او بالزمرة المارقة تارة اخرى . قتلة رجال الأمن او المصلين في اي بقعة من بلادنا يكون بأمر شيخ من نتاج ثقافة المكان و ايديولوجيا المذاهب السنية او الشيعية . فلكل ازمة مظاهرها الا ان اكبر مظاهر أزمتنا السياسية القائمة منذ انكفاء الربيع العربي هي داخلية نتيجة انقلاب قوى المذاهب المؤدلجة " لطبيعتها الانتهازية " على حواضنها السياسية ممثلة بالنظم السياسية العربية . فتلك القوى عبر تاريخها السياسي و الاجتماعي غير اداة من أدوات الاخضاع المثلى تقنيناً او تكفيرا ضد كل اشكال ارادة التحول الاجتماعي الطبيعية المحاكية للصيرورة البشرية . المكارثية العربية هي نتاج طبيعي لحالة الاحتباس التاريخي و استطاع احد مشاهد حلقات مسلسل ( سيلفي ) اختزال ذلك عبر مشهد التحقيق الذي أجراه ضابط أمن المطار مع عربيين تعاركا على متن رحلة جوية ، حينها قال ذلك الضابط بعد الاستماع لمبررات العراك " يحول الاثنان لمستشفى للامراض العقلية " ترى هل كان الغزو الامريكي للعراق تحت ذريعة انقاذ الشيعة من دكتاتورية النظام القائم ليحدث لو ان عاصفة الحزم كانت قد انطلقت قبله . فقد جاءت النتيجة بنظاماً اكثر دموية من الاول ، ليقتل و يهجر الملايين من السنة و الشيعة امام مراى و مسمع العالم . او ، هل كان من الممكن لمدارس الفكر السياسي المتاسلم السني منه و الشيعي قادرًا على توظيف مصطلح" الأمة " الغاصبة لإرادتنا . اليوم نحن نشغل نفس الحيزا الجغرافي الذي اريد له ان لا يستقر ليس بسبب التهديدات الخارجية فقط ، بل لتراجع دور ثقافتنا و إسهامنا انسانيا . فنحن لا نزال نتقبل ازدراء الانسان للإنسان ، او تقبل الاستخفاف بآدمية المرأة في ابسط الحقوق من ختانها الى سربلتها بالاسود دون استئذان . لذلك يتوجب علينا ان ندرك ان داعش او حزب الله ليسا الا صناديق بريد لتلك الثقافة الزاجرة للمدنية عبر مؤسسات لن تستطيع انتاج سوى ذلك من المدرسة الى المسجد او الحسينية . و ان أردنا نحن استئصال الارهاب حقا ، فيتوجب علينا القبول باحلال ثقافة الانسان المنتمية للعصر بكل قيمها مكان الاخرى المشككة في حقوقة و آدميته . اما دعوى اصحاب التمذهب المؤدلج في تقديم مصلحة الامة على كل ما سواها ، فأين ارادة الانسان و العقل . فكيف للأمة الحق ان تلغي الاوطان فقط لظن تلك المدارس المكارثية انها الممثل الأوحد للقيم و نقاء المعتقد ، و الممثل للبرآء و الولاء دون غيرهم من كل البشر . جوزف مكارثي فشل في اعادة عقارب التاريخ الانساني و كل من أتى بعده بسبب رفض الانسان لثقافة القهر غير المنتمية لروح عصرها. و الان نحن امام تجربتين هما تعريف المواطن حسب الدستور التونسي المتجاوز لجنس ذلك المواطن ، و الثانية ، إلغاء تدريس مادة التربية الدينية من المناهج المصرية و الاستعاضة عنها بمادة القييم . كليهما لا يمثل اي تراجع في مكانة الاسلام في الدولتين بقدر ما هي حماية جوهر الرسالة من شطط البشر ، و لتضطلع الاسرة بدروها الطبيعي في بناء و تكوين شخصية الفرد .
ما شاء الله عليك أستاذ أجدت وأوجزت