دخلت "الخلافة الاسلامية" التي اعلنها تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا والعراق عامَها الثاني، وعملياتُها الدموية تطرقُ أبواب دولٍ أخرى كان آخرَها تونس والكويت حيث قتل الجمعة عشراتُ المدنيين في اعتداءات تبناها التنظيم. هكذا احتفل تنظيم "الدولة الإسلامية" بالذكرى الأولى لإعلان ما يسمى بـ"دولة الخلافة". ثلاث هجمات إرهابية في ثلاث قارات في خلال ساعتين فقط. والرسالة واضحة وهي: نحن متواجدون في كل مكان ويمكننا أن نضرب من نستهدفه في أي وقت ففي 29 حزيران/يونيو 2014، أعلن التنظيم المعروف بـ"داعش" إقامة "الخلافةِ الاسلامية"، رافعاً "راية التوحيدِ من حلب شمالَ سوريا الى ديالى شمالَ شرقي العراق"، وواعدا بأنها "باقيةٌ وتتمدد". وبعد مرور عام على إعلان "دولة الخلافة" في سوريا والعراق؛ أصبحت "الدولة الإسلامية" أقوى من أي وقت مضى. ورغم النجاحات المتفرقة للتحالف الدولي، لم يتمكن التحالف من دحر الميليشيات الإرهابية بشكل حاسم. وقبل عام أعلن أبو بكر البغدادي نفسه خليفة يحمل اسم إبراهيم، وبسرعة البرق أخضعوا لسيطرتهم أجزاء كبيرة من شمال العراق، وآنذاك كانت مدينة الموصل، ذات المليوني نسمة، هي الغنيمة الكبرى بالنسبة لهم. وبضمها إلى مدينة الرقة، معقلهم في سوريا، أنشأوا كيانا متماسكا، وصل اليوم إلى حوالى نصف الأراضي السورية وثُلثِ الاراضي العراقية، وعلى مساحةٍ إجمالية تقاربُ 195 الفَ كيلومترٍ مربعٍ بحسب الخبراء وفقًا لفرانس برس . وهو يفرُضُ على هذه المناطق قوانينَه وتشددَه في تطبيق الشريعة الاسلامية مستخدما أساليبَ وحشية لإثارة الخوفِ والاخضاع. وتوجد اليوم خريطة أخرى في الشرق الأوسط، تظهر فيها "الدولة الإسلامية" كأنها قطعة كبيرة وتتوسع نواة تلك الدولة أكثر وأكثر. ففي أكتوبر الماضي، أعلن جهاديون في شبه جزيرة سيناء المصرية انضمامهم إلى "دولة الخلافة"، وبعد أيام قليلة، أعلنت أجزاء من ليبيا أيضا نفس الشيء. ووفقًا لوكالة الأنباء الفرنسية يقول حسن حسن، باحث في مركز "شاتهام هاوس" "تنظيم الدولة الإسلامية هو واحدٌ من مجموعات جهادية عدة لكنه الوحيد الذي يترجمُ أفكارَه الى واقعٍ يستطيع الأفرادُ المجيءَ والقتالَ من أجله". ويعترف عضو بالبرلمان العراقي " لقد استهنا بالدولة الإسلامية تماما. خصوصا أنه لم يكن أحد يتوقع أن ينضم إلى القتال في صفوفها هذا العدد الكبير من الأجانب". ويؤكد الآلوسي أن أعضاء من حزب البعث في عهد الدكتاتور السابق صدام حسين وضباط سابقين في جيشه كانوا يدعمون "داعش" في توسعه في شمال العراق لكنهم أصبحوا الآن أقلية، لذلك حاولوا الابتعاد عن "الدولة الإسلامية" والاقتراب من الحكومة الحالية برئاسة حيدر العبادي؛ لكن الحكومة ترفض إجراء محادثات معهم". ووفقًا لدويتش فيله يقدر عدد المقاتلين في صفوف "دولة الخلافة" بنحو 35 ألف مقاتل. وعلى المستوى الدولي قامت عشرات الدول بإنشاء تحالف لدحرهم. وتقوم مقاتلات أمريكية بهجمات جوية تلتهم يوميا 7.5 مليون دولار. كما يجري أيضا استخدام أسلحة أوروبية وسعودية. أما على الأرض فيقاتل ضد الجهاديين الجيش العراقي، بمساعدة ميليشيات شيعية مدعومة من إيران، إلى جانب المتمردين السوريين ووحدات كردية. ويقول باراك أوباما، الرئيس الأميركي في تسجيل صوتي أذاعته فرانس برس "في العراق وسوريا، القيادة الأميركية وقواتُنا العسكرية توقف تقدم الدولة الإسلامية. وعوضاً عن انجرارِنا الى حرب برية أخرى في الشرق الأوسط، نحن نقودٌ تحالفاً عريضاً يضم دولاً عربية لإضعافِ هذه المجموعة الإرهابية وتدميرها". غير أن الحملة الدولية ضد الجهاديين لا تبدو فاعلة، ولو أنها تسببت بقتل الالاف منهم وساهمت في طردهم من مناطقَ أساسيةٍ مثل كوباني وتل أبيض في سوريا وتكريت وديالى في العراق. لكن في الأسابيع الأخيرة،وفقًا لدويتش فيله استعادت "الدولة الإسلامية" قوتها الضاربة السابقة. وتمكن مقاتلوها، رغم قلة عددهم نسبيا، من طرد وحدات الجيش للمرة الثالثة من الرمادي عاصمة محافظة الأنبار العراقية. وفي سوريا، أجبر الجهاديون الجيش السوري، على الانسحاب من مدينة تدمر لصالحهم. وفي الأيام الأخيرة، ترد الأخبار عن وجود قتال عنيف مجددا في كوباني، كما أن تكريت تقع من جديد هدفا لهجمات "الدولة الإسلامية". وعن أسباب صعوية هزيمة داعش يقول باتريك كوبيرن في الأندبندنت بحسب بي بي سي في تقرير بعنوان "من الذي يمتلك القوة لمحاربة تنظيم الدولة أن "السبب وراء الانتشارالواسع لهذا التنظيم في العراق وسوريا منذ عام 2011، يكمن في قدرته على القتال الشرس والمستمد من التعصب الديني والخبرة العسكرية وانتهاجه أقصى درجات العنف". و يقول العميد عزالدين سادوس قائد قوات البيشمركة الكردية في مرتفعات بعشيقة التي تبعد حوالي 80 كيلومتر إلى شمال غرب مدينة أربيل الكردية العراقية لدويتش فيله . "يعد التنظيم في تنظيم "الدولة الإسلامية" في منتهى الصعوبة، وعدو متنقل، يتقن الحرب التقليدية، وحرب العصابات والإرهاب والبروبغاندا. وعندما تقدم مقاتلو "داعش" من الموصل تجاه المناطق الكردية البيشمركة انسحب البيشمركة ومعهم سكان المدن هناك يقول العميد سادوس. "لم نكن مستعدين بما فيه الكفاية، وكانت المعدات العسكرية غير كافية"، ، ويضيف: "لكن هذا يتغير الآن. فمع الأسلحة الألمانية والمدربين الدوليين نتسلح كل يوم بشكل أفضل، رغم ذلك فالقوى لا تزال غير متكافئة". ويشير سادوس إلى حدود "دولة الخلافة" التي تبتعد ثلاث كيلومترات عن مكان وقوفه ويقول: "وضعنا متاريس وحفرنا خنادق مرة أخرى من أجل تعزيز مواقعنا". ويوضح القائد بقوات البيشمركة:"لكن أولئك الموجودين على الناحية الأخرى لديهم ألغام ومتفجرات تي ان تي. ولقد فقد أكثر من 1500 من مقاتلي البيشمركة حياتهم بالفعل." وهناك سبب آخر يفسر النتيجة الهزيلة للمعركة ضد "داعش"، هو أن "الدولة الإسلامية" قوية بالقدر الذي يسمح لها به خصومها. وكتب الباحث والمؤلف الألماني الإيراني نويد كرماني في كتابه الأخير "بين القرآن وكافكا" يقول: "سنهزم الإرهاب فقط إذا سحبنا البساط من تحت أقدامه". ويقول الشابان العراقيان فؤاد وإبراهيم " لدينا إرهاب منذ سقوط صدام"، ويضيف: "في البداية كان الأمريكيون هم من يقومون بعمليات الاعتقال والتعذيب. وبعدها جاء تنظيم القاعدة، والآن داعش". ولا يرغب فؤاد أو إبراهيم في العودة إلى الجيش، ولا في القتال من أجل بلد، لم يعد موجودا في الواقع.