في بعض الأحيان، نرتكب ذنب الإستناد على الظاهر في الحكم على الأمور، وقبل أن نتمعن جيداً فيما يخفى عنا من غاية أو قيمة. يأخذنا طيش الحماسة أو شؤم العجلة أو سكرة الزهوّ نحو البحث في مواطن الضعف أو النقص الكامنة خلف أي بريق، وحين نجدها نتباهى كالطاؤوس ببراعتنا في تعرية التقصير إن وجد! لن أتحدث في مقالي اليوم عن كون هذا الفعل صحيحاً أو خاطئاً، لأن الأمر يبدو جلياً لأي عاقل، لكني أود أن أذكّر بأن من الجميل والإنسانيّ أن تصفق لكل إنجاز ينفض الغبار عن كل ما يرمز لحضارتنا وتراثنا الثقافي والتاريخي. وأرمز هنا إلى ذلك المشروع الناجح المتمثل في مهرجان "كنا كدا" الذي يقام في جدة وهي المدينة الثرية بموروثها الحجازي القديم، والتي مازال عبق الماضي يفوح من منطقتها التاريخية. لم أتردد في زيارة المهرجان في عامه الأول والثاني لأكثر من مرة برفقة والدتي التي تحفظ جيداً كل ركن وكل منعطف، وتحكي لي كيف كانت هي أيضاً ترافق جدتي يرحمها الله في ذات المكان قبل أعوام طويلة. لكن وبعيداً عن أي ارتباط عاطفيّ بتلك المنطقة وما تحمله من ذكريات تخص أي فرد منا، سأشير إلى السر الكامن في أهمية إقامة هذا المشروع وهو ببساطة كونه أداة قوية تساهم في إحياء التراث والحفاظ على المكتسبات الوطنية من خلال غرس حبها والتفاعل مع وجودها وتعزيز أهميتها في نفوس الشباب، وفي إحدى أهم المناطق بالمملكة والتي تحظى بالتنوع الثقافي لساكنيها. فمدينة جدة تحتضن جنسيات متعددة سكنت ساحلها وشربت من مياهها وتطبعت بطباعها، وبالإضافة إلى مواطنيها، هناك من يحرص على زيارتها في كل إجازة من كافة مناطق المملكة لما تتميز به من سحر جاذب. لكني سعدت جداً في زيارتي الأخيرة للمكان حين لمحت في أكثر من زاوية السائحين والسائحات من غير الناطقين بالعربية وهم يتجولون متأملين تلك المباني العتيقة التي تود لو أنها تنطق لتخبرهم بقصصها وتذهلهم ببساطة من سكنها. أنهي حروفي بأن أقول عزيزي القارىء، لنبتسم بفرح ونحن نشاهد الإندماج الجميل بين شرائح المجتمع المختلفة في فعاليات هذا المهرجان، والجهد المبذول في تنظيمه والمشاركة به من خلال سواعد الشباب والشابات الذي ينثرون الحيوية فيه، والزخم الثقافي والأدبي الذي يفوح بين جنباته، والإنطباع المختلف الذي سيسافر إلى خارج حدود المملكة ويرسم صورة جميلة عنا وعن تراثنا. وقبل أن أودعك، أود أن أذكرك.. ركز في حياتك على القيمة الكامنة فيما ترى! واترك عنك سفاسف الأمور! @Randa_AlSheikh Randa_sheikh@yahoo.com
بين القيمة وسفاسف الأمور .. المقال الأخير للكاتبة (رندا الشيخ) في -الرياض بوست- عمّق انطباعي عنها بل إحساسي بها.. كاتبة عمود من الطراز الأول... وفي هذا المقال ألقت بظلال من أسلوب أدب الرحلات مما أعطى المقال مساحة من الغوص في أعماق المكان في الوقت الذي كان بمثابة دعوة سياحة للوقوف على شواهد التاريخ في مدينة جدة؛ جدة ماقبل النفط وماديات الحضارة المعاصرة.
كنا محتاجين مقالك الجميلة خصوصا بعدما بعض الناس قالت ان المهرجان ماله داعي .شكرا من القلب
ياسلام يسلم قلمك يارندا مقال دسم ويستحق التصفيق(جدة كذا )كفايه انها عروسة البحر الاحمر