ارتفعت حصيلة المواجهات الدامية بين العرب (المالكيين) والأمازيغ (الأباضيين) بولاية غرداية الملتهبة جنوب الجزائر إلى 25 قتيلا وفق مصادر جزائرية خلال اليومين الأخيرين. وبحسب وكالة دويتش فيله للأنباء ذكر تلفزيون " النهار" أن أغلب الضحايا سقطوا بمدينة القرارة، بينما نقل تلفزيون "الشروق" عن مصدر أمني محلي قوله إن 19 قتيلا سقطوا صباح اليوم الأربعاء بينهم طفل يبلغ من العمر 15 عاما إلى جانب إصابات خطيرة في صفوف أفراد الأمن. ووفقا للمصدر نفسه، فإنه يجري التحقيق في استخدام مدنيين لأسلحة نارية على نطاق واسع بمدينة القرارة. كما أشار المصدر إلى أن وزير الداخلية نور الدين بدوي وصل على عجل إلى مدينة غرداية على رأس وفد هام، لافتا إلى أن قوات من الصاعقة التابعة لجهاز الدرك الوطني، الذي يتبع وزارة الدفاع، وصلت إلى مدينة القرارة مسرح أعنف المواجهات. ووصفت المصادر مواجهات ليلة الثلاثاء/الأربعاء بأنها الأعنف منذ اندلاع المصادمات المذهبية بغرداية في نهاية 2013، لافتة إلى أن التطور الخطير فيها هو استخدام الأسلحة النارية. وكانت وزارة الدفاع أفادت أمس الثلاثاء في بيان لها بأن الجيش قرر التدخل في محاولة لإنهاء النزاع المذهبي في غرداية، موضحة أن قائد الناحية العسكرية الرابعة (التقسيم العسكري الذي يضم غرداية ومناطق مجاورة أخرى)، اللواء الشريف عبد الرزاق تنقل إلى مدينة غرداية للوقوف الميداني على الوضع السائد وعقد على الفور اجتماعا لضبط الخطة الأمنية ولتنسيق الجهود قصد تفادي تكرار مثل هذه التجاوزات الخطيرة ولاستعادة الأمن والاستقرار بمنطقة غرداية. كما اجتمع مع كافة الأطراف المعنية بعملية التهدئة واستتباب الأمن والطمأنينة بالمنطقة. وكشفت مصادر إعلامية أشارت الى وصول تعزيزات أمنية عسكرية لمختلف ثكنات غرداية تحسبا لدخول الجيش ساحة العمليات وانتشاره بها. وتعيش مدينة غرداية الواقعة 680 كلم جنوب الجزائر العاصمة وهي بوابة الصحراء ، حالة خوف وترقب دائما من تطورات قد تشهدها المدينة بسبب توترات بين مكوناتها. وفي ظل فشل الدولة في جمع الشمل بها، ومحاولة إقناع سكانها بأنه لا فرق بين إباضي ومالكي، فهم جزائريو الجنسية ودينهم واحد سواء أكانوا عربا أو أمازيغ. إلا أن ذلك لم يحل المشكلة التي أساسها مذهبي، بعد أن عاشت الطائفتان لقرون في سلام وأمان. وفي تحقيق لدويتش فيله ، زار فريق عمل المدينة للوقوف على أسباب المشكلة ومع سؤال المواطنين لمعرفة الحقيقية الكامنة وراء الاقتتال في المنطقة التي طالما كانت مثالا للتعايش في الجزائر. تقول الوكالة" التقينا أحد المواطنين من دون أن نسأل عن عرقه أو مذهبه، وحاولنا معرفة سبب المعارك التي تنشب ليلا بين الطرفيين ولم تتمكن قوات الأمن من إيقافها، وقال لنا طاهر وهو من أبناء المنطقة (41 عاما) "الحكاية أن سبب الفتنة التي نعيشها منذ عامين وسئمنا عدم توقفها، هي أن الأباضيين معرفون أنهم متشددون جدا خاصة فيما يتعلق بنسائهم. وفي أحد المحلات دارت مناوشات بين مالكي وأباضي، وشتم المالكي زوجة الاباضي، فانطلقت على إثرها معارك بين الطرفين انتهت بحرق المحلات، و تبعتها عمليات قتل. وبعدها انطلقت الصراعات الطائفية التي كما ترون لا تزال متواصلة إلى يومنا ولا نعرف اتجاه الوضع إلى أين". و يرى أخر، أن الخلاف أبعد من ذلك فيقول "يجب ألا تنظروا إلى الأمور بشكل سطحي، فنحن نتعايش من أجداد الأجداد، كما أن المنطقة قسمناها إلى منطقة بني ميزاب ومنطقة العرب إلا أن الخلاف سببه أبعد من ذلك. هناك أطراف لا تريد تقسيم المنطقة فقط، وإنما الجزائر بدأًً من بوابة الصحراء غرداية. ونحن مقتنعون بذلك، إلا أن البعض من المتعصبيين لا يفهمون . التجول في غرداية يتطلب الحذر ليس في المناطق التي نقصدها فقط وإنما حتى في حديثنا مع الناس، خوفا من أن نحتسب على طرف من طرفيي النزاع. إلا انه رغم الصراع الطائفي بين الطرفيين، هناك من المواطنين الذين يبحثون عن السلم في غرداية، حيث أعرب لنا أباضيو القرارة ومالكيو غرداية المدينة عن رغبتهم في الرجوع للسلم والتعايش مع بعضهم البعض والابتعاد عن النزعة المذهبية. ويقول أحد أعيان غرداية، " الفتنة كانت موجودة، لكن سيطرنا عليها على مدى سنوات من خلال تقسيم المدينة إلى ضفتين إحداهما للمالكية والأخرى للأباضية. وأضاف "هناك من أيقظ الفتنة، والسبب الذي قامت من أجله غير منطقي، وما يحدث اليوم تقف وراءه أياد خفية. لكن الدكتور أحمد عظيمي، الخبير في الشؤون الأمنية، ربط الوضع في غرداية بالأوضاع التي يعيشها الساحل، حيث قال أن "ما يحدث في مدينة غرداية هو شيء طبيعي، وكان منتظرا بعد الأحداث التي عاشتها دولة ليبيا" موضحا أن المهربين الذين تم تضييق الخناق عليهم في الحدود الجنوبية فعادوا الى داخل المدن ومنها غرداية "فأشعلوا فيها الفتن والمعارك لتركيز السلطات والأمن الاهتمام على المنطقة ويسهل عليهم المرور عبر الحدود".