2015-10-10 

فحق علينا بكاء «سعود»

سارة مطر

إذا لم ندون مقالة عن فارس وزارة الخارجية الراحل الأمير سعود الفيصل، إذاً ما فائدة الكتابة والمقالات التي تنشر، وما فائدة الكلمات التي تكتب، ونحن ندعو الله أن تصل إلى العقول، كي تفتح لها أشرعة السؤال والبحث عن مضمون الفكرة، أنها من ضمن المرات التي سعدت أن يكون لدي عموداً أسبوعياً، كي أدون فيه ما يستحق أن أكتب عنه، وها أنا ذا أقتنص اللحظة، لكي أكتب عن مهندس السياسة الخارجية السعودية. لقد مرت المملكة خلال فترات طويلة، بانتقالات كبيرة شهدها العالم أجمع، وكان هذا الفارس المعتدل فكراً، هو خير من يمثل وجهة نظر الحاكم والحكومة والشعب أيضاً، لقد كنا نحن المواطنين نشعر بالفخر العميق، لأن ابن الفيصل من يمثلنا بجميع المحافل الدولية، مدركين أنه يتكلم بأصواتنا التي يعرفها، وواثقاً من أن ذاكرة الشعوب لا يكمن لها أن تنسى وقفاته الكبيرة، سواء إبان الانتفاضة الفلسطينية، والحرب العراقية الإيرانية، والاجتياح الإسرائيلي للبنان، وحرب الخليج إثر اجتياح العراق دولة الكويت، ومأساة سورية، ورؤيته الدقيقة للربيع العربي، لذا لم نكن لننسى يوماً ما قام به هذا الفارس النبيل، من أجل المملكة ولا حتى من أجل البلاد العربية والإسلامية، فهل من الممكن أي عربي أن ينسى تلك اللحظة التي وقف بها، وواجهه الحكومة الأميركية بشجاعة حقيقية في عام 2005 حينما قال: «أيها الأميركيون لقد قدمتم العراق للإيرانيين على صحن من ذهب»، لذا، حينما فقدناه لم نبكيه وحدنا، بل بكته الشعوب التي عرفته طوال الـ40 عاماً، منذ أن تسلم حقيبة وزارة الخارجية في عام 1975، ليبدأ حينها كفاحه المستميت في رسم سياسة بلاده الخارجية، متيقنين دوماً قبل أن يترك الوزارة نحو شهرين، بأن كتفيه لم تهرما من ثقل المشاكل العربية التي كانت المملكة تسعى إلى إيجاد حلول سلمية، حماية لمصالح الشعوب العربية والإسلامية، قبل أن تكون حماية لذاتها. وقف سعود الفيصل بشجاعة مئات المرات أمام العواصف التي أثيرت حول المملكة، ودافع عنها بلغة الرجل السياسي الذي عركته الخبرة الطويلة، بحكمة بالغة عكست رؤية المملكة، وقوتها ونظرتها الثاقبة تجاه الاتهامات التي وجهت إلينا كدولة لها سيادة لا تسمح لأي من كان المساس بها، ولكنها في الوقت ذاته كانت محملة بهموم ما يحدث في لبنان واليمن وتونس ومصر وليبيا وفلسطين والعراق وسورية، وكان لها دوراً بارعاً أخاذاً، حمله نيابة عنها الفارس الراحل سعود الفيصل، فكان خير من يمثلنا وخير من يتكلم عن مدى ضرورة أن تكون تلك البلاد حُرة، وأن تنعم بالطمأنينة والسلام، وأن يكون لها حكمها في شأنها الخاص، بعيداً عن عواصف الجريمة ورائحة الموت الهمجي، وبائعي الأوهام والخذلان، والحروب الطائفية المُهلكة. لقد امتلك الراحل ذكاء لافتاً، وشجاعة اكتسبها من ولائه لكل حكام المملكة الذين عمل معهم، واستفاد من رؤيتهم التقدمية، فلم يكن يخشى يوماً من الهجوم الذي تمت ملاحقته بسبب فكره العميق ونظرته الجادة والحادة للأمور السياسية، فلم يكن يتوانى مطلقاً بمواجهة الأشباح الظلامية، ولم يكن يهتم لأمرها، وإنما ما كان يهمه هو أن يكون هناك منظور واقعي لوطنه أمام العالم أجمع، وهذا ما قاله عنه جميع من عرفوه عن قرب، أو من عملوا معه في الوزارة، لقد كان أقرب لأن يكون أسطورة الصحراء في مدى حنكته التي استمدها من والدها الراحل الملك فيصل، من حيث المقاربة الفكرية للأب الملك، وانتقلت بدورها إلى الابن الذي استفاد بما يتناسق مع رؤيته المستقبلية لوطنه، الذي عمل من أجله حتى آخر يوم من حياته، فقد كان الصوت المعبأ بالوطن والشعب وناقله إلى العالم، من دون التفكير فقط في الحسابات السياسية التحالفية، فتجربته الممتدة وصولاته وجولاته حول العالم سجلت لهُ وللوطن انتصارات ساحقة، بعيداً عن الاستفزازات السلبية والازدواجيات التي تنتهجها بعض الدول ضد المملكة. رحل الفارس وقد ترك علامة فارقة في الديبلوماسية العربية، فحق علينا بكاءه والترحم على إنسانيته وبطولاته الصامدة. من الحياة اللندنية

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه