فعلاً وكما قال مسؤول سعودي لوكالة «رويترز»: «سيكون يومًا سعيدًا إذا منع (الاتفاق النووي) طهران من امتلاك ترسانة نووية»، فلا أحد في المنطقة والعالم سيرفض الاتفاق ما دام قد نجح في «تجميد» برنامج إيران النووي العسكري وتحويله سلميًا، وهو ما بدا فعلاً من تفاصيل الاتفاق التي أعلنت أمس، إثر موافقة طهران على غالبية الاشتراطات التي كانت ترفضها سابقًا، وتسببت في عقوبات اقتصادية وتجميد لأموالها سنين طوالا، وبعد أن كان الإطار الزمني لاكتساب إيران كمية كافية من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع قنبلة نووية - المعروف بـ«زمن الاختراق» - نحو شهرين أو ثلاثة أشهر، فإن الاتفاق الجديد يطيل هذه الفترة الزمنية إلى عام واحد على الأقل. إذن الاتفاق وإن لم يوقف الطموحات النووية الإيرانية فإنه تمكن من جعل إيران تحت أنظار المراقبة الدولية، ودق ناقوس الخطر قبل أي تحرك مفاجئ باتجاه نادي الدول النووية. يبقى السؤال الأكثر تداولاً: هل هو اتفاق جيد أم سيئ؟ في ظني هو اتفاق رائع لإدارة الرئيس أوباما التي نافحت وكافحت للوصول إلى اتفاق ينهي به الرئيس فترته الرئاسية الثانية، حتى إنه هدد الكونغرس أمس بأنه سيمرر الاتفاق بالفيتو إذا تم رفض تمريره. أيضا هو اتفاق جيد للقوى الغربية التي لا تريد سباقًا للتسلح النووي يجتاح منطقة الشرق الأوسط يزيدها اشتعالاً أكثر مما هي مشتعلة. أما إيران فقد عادت إلى نقطة الصفر التي توقفت عندها قبل أعوام، فلا هي بلغت هدفها ببرنامج نووي عسكري، ولا هي استفادت من طفرة النفط التي واجهت مصاعب العقوبات التي أخرت تنمية اقتصادية هي في أمسّ الحاجة إليها، أي أنها كانت أكثر الخاسرين من هذا الاتفاق وتجرعته بمرارة. دع عنك بروبغاندا الإعلام الإيراني، الذي تفنّن أمس حتى في إظهار بنود غير تلك التي تم التوقيع عليها، فقط للترويج بأن الاتفاق هو نجاح للسياسة الإيرانية، وكذلك سيفعل الطابور الإيراني الخامس في دول الخليج، بالتهليل والترحيب بـ«الانتصار» الإيراني. وإذا كان الاتفاق النووي بين دول الغرب وإيران أحبط قدرات إيران النووية وأرغمها على الرضوخ، على الأقل مؤقتًا حتى تلتقط أنفاسها، فإن القلق الحقيقي مما سيأتي بعد الاتفاق وما سينتج عنه، وأيضا ما سيراهن عليه النظام الإيراني في الفترة القادمة باستخدامه كورقة سياسية، فلا يوجد عاقل يعتقد أن إيران ستتوقف عن سياستها في زعزعة استقرار المنطقة، وهذه المخاوف جاءت من كبار المسؤولين الأميركيين أنفسهم، كما قال ديفيد بترايوس رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) السابق بأن التهديد الأخطر للمنطقة ليس من «داعش»، بل من ميليشيات إيران، فإذا أحسنّا النيّات بتعهدات الرئيس أوباما وتطميناته من عدم منح إيران تنازلات على حساب دول المنطقة، فإن الحكومات الغربية ستقع تحت ضغط كبير من أجل إنجاح الاتفاق، وبالتالي غض النظر عن سياسات إيران المزعزعة للاستقرار وتدخلاتها السافرة في الشؤون الداخلية لجيرانها، بل وستغض النظر حتى عن دعمها للميليشيات المتطرفة، كما ميليشيا الحشد الشعبي، التي أصبحت شيئًا فشيئًا وكأنها جزء من المنظومة العسكرية لدولة مثل العراق، في ظل صمت غربي عجيب، وتأسيس سياسة جديدة معادلتها ضرب الإرهاب بالإرهاب! لا تملك السعودية ودول الخليج إلا الترحيب بالاتفاق النووي، فهو بحد ذاته يفترض أن يغلق بابًا للشر، إلا أن القلق الفعلي هو أن يفتح أبوابًا أخرى للشر برعت إيران في طرقها واحدًا بعد الآخر وهي تحت طائلة العقوبات، فكيف وقد التقطت أنفاسها من جديد؟!