السير كريستوفر ميير السفير البريطاني السابق لدى الولايات المتحدة وألمانيا، والزميل البارز لمعهد الخدمات الملكية المتحدة، نشر مقالاً في الزميلة صحيفة «الغارديان» اللندنية تحت عنوان «الفوضى في الشرق الأوسط تعني أن وقت التحالف مع إيران قد حان»، ملخصه أنه طالما لم تعد هناك قدرة على إسقاط نظام بشار الأسد بسبب الدعم الروسي الإيراني، وفي أعقاب ظهور تنظيم داعش المفاجئ واستقطابه للمقاتلين الغربيين، فـ«شئنا أم أبينا، نحن في تحالف على أرض الواقع ضد (داعش) وإلى جانب الأسد، وإيران، العدو العتيد لحليفتنا المملكة العربية السعودية»، ثم يتوصل سعادة السفير إلى نتيجة حتمية يطالب بها بلاده والغرب بإيقاف كل الأعمال العسكرية ضد «داعش»، وهذا هو المذهل، عبر «ترك المنطقة تحل مشكلاتها بنفسها»، ثم يختم مقاله بهذه العبارة: «إذا تمكن تنظيم داعش من التوسع في الشرق الأوسط، ألن يؤدي هذا حتمًا إلى استنتاج أن إيران يجب أن تكون حليفنا الاستراتيجي في المنطقة خلال القرن الواحد والعشرين؟». ثلاث نقاط رئيسية تغفلها هذه التحليلات غير الواقعية عن فك التحالف الغربي السعودي وتوجيهه نحو إيران، التي أصبحت عقيدتها السياسية مقبولة فجأة لدى الدول الغربية، أولها أن الغرب جرب التحالف مع السعودية ودول الخليج لستة عقود ويستطيع أي مراقب تأكيد أن هذا التحالف كان عاقلاً ولم يتسبب بأي أزمات إقليمية أو عالمية. وثانيها أن الإرهاب السني، كما يسميه الغرب، ناتج عن تنظيمات متطرفة تحاربها الحكومات الخليجية بلا هوادة وتعتبرها معركتها الأولى، بشهادة الغرب، أما الإرهاب الشيعي فهو حالة معاكسة حيث يدعمه النظام الإيراني نفسه كما في حزب الله أو ميليشيا الحشد الشعبي أو الحرس الثوري وغيرها من التنظيمات المتطرفة. والنقطة الثالثة، وأهمها من وجهة نظري، أن التحالف الغربي الخليجي ليس منحة تقدمها الدول الغربية لنظرائها في الخليج، بقدر ما هو مصلحة استراتيجية عميقة أثبتت أهميتها لكلا الطرفين ولم يستفد منها طرف واحد فقط. ولعل استراتيجية «ترك المنطقة تحل مشكلاتها بنفسها»، التي يمكن القول إن نغمتها تتزايد في الدوائر الغربية يومًا بعد الآخر، تفترض أن محاربة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط هي عمل خيري تتفضل به الولايات المتحدة وحلفاؤها على دول المنطقة، بالطبع هذا طرح سياسي براغماتي بحت ولا يمت بصلة للطرح الاستخباراتي من الغرب نفسه، باعتبارهم يعون جيدًا أن ألف باء مكافحة الإرهاب تعني أن محاربته في محيطه أفضل وأسهل ألف مرة من محاربته بعد أن يصل لحدودك، مثلاً التنظيمات الإرهابية التي نشأت في سوريا، انتعشت وتمددت وترعرعت بعد رفض الغرب نصائح حلفائهم العقلاء، بضرورة القضاء على هذه التنظيمات قبل أن تستفحل وتنتشر، وهو ما حدث لاحقًا بنفس السيناريو الذي تم التحذير منه، أما المثال العملي الآخر الذي ينسف فكرة «ترك المنطقة تحل مشكلاتها بنفسها»، ظاهرة القرصنة في القرن الأفريقي، عندما لم تكن يومًا مشكلة تخص الدول المحيطة بها، بل كانت مشكلة هددت الملاحة العالمية بأسرها. التحالف الغربي السعودي تحالف تتقاطع فيه المصالح بشكل رئيسي وطبيعي، واستمراره فيه منفعة للمنطقة وللعالم أجمع، كما أن ترميمه ومراجعته وحتى تصحيح مساره يصب في استمرار نجاحه، أما التلويح بفك عراه والانتقال للجهة الأخرى من الخليج ففيه ضرر لكل الأطراف، فكما ستخسر السعودية ودول الخليج العربية تحالفها الاستراتيجي ومصلحتها منه، ستكون الخسارة كبيرة أيضًا على مصالح الغرب في المنطقة بالمراهنة على دولة يصنفها الغرب نفسه محورًا للشر ودولة مارقة، قبل أن يفعل الاتفاق النووي فعلته وتتحول لدولة صديقة ومتوازنة. جريدة الشرق الأوسط