قرأ الريحاني الرحّالة الذين سبقوه إلى الجزيرة فسحرته الفكرة: تشارلز دوتي، ريتشارد بورتون، ويليام بالغريف، وبوركهارت، وغيرهم. حاولت زوجته الأميركية، برتا، ثنيه عن المغامرة الصعبة، لكنه شدد العزم. وركب الباخرة إلى الإسكندرية، ومنها إلى القاهرة، ثم السويس، فأبحر إلى جدة. ورفض نصيحة الجميع فأكمل إلى عدن، ليغامر بالوصول إلى صنعاء المغلقة في وجه كل أجنبي. وفي انتظار أن يصله الإذن من الإمام، توجه إلى لحج، ثم إلى قصر سلطان الحواشب، وإذ وصلت برقية الإذن أكمل الطريق الوعر، فبلغ صنعاء بعد أسبوعين في أبريل (نيسان) 1922. رحَّب الإمام به وقال له الأمين «أشتهي أن تكون البلاد العربية مستقلة استقلالاً تامًا. لكني أغار عليها من الجهل كما أغار عليها من دسائس السياسة الأجنبية. وما السبيل إلى التخلص من الاثنين إلا في اتحاد ملوك العرب وأمرائها. لقد أضعفتم أنفسكم بالحروب. قتلتم البلاد بالحروب. أفما حان لكم أن تجربوا طريقة أخرى.. طريقة السلم والتفاهم والتحالف؟». أمضى وقتًا في صنعاء وضع خلاله الرسم الوحيد للإمام، من الذاكرة. ثم توجه إلى الحديدة. وعاد إلى لحج، فكتب إلى السلطان عبد العزيز آل سعود يستأذنه زيارة الرياض. ولما تأخر الرد توجه إلى عدن وقدم طلبًا لزيارة العراق. فلما أُعطيه، مضى إلى بومباي، ومنها إلى البصرة، ثم بغداد، حيث وصله الإذن من العاهل السعودي، فاتجه إلى البحرين ومنها إلى النفود: «وما أرهب وأجمل صوتًا سمعناه آنذاك وراء الآكام في مروج الليل ينادي: يا سُعيدًا. مبشرًا بقدوم السلطان، أو بمروره في ذلك المكان. إن المنادي يتقدم الموكب السلطاني، حتى إذا سمعه أحد من البادية أو الحَضَر، يروم من سيد البلاد أمرًا، أو يحمل إليه شكاية، فإنه يقصد مسرعًا إلى مكان الصوت، فيفوز ببغيه (...). وخرجنا نبادر إلى استقبال الزائر الكبير، فإذا هو قد خف إلينا، وكان يلبس ثوبًا أبيض وعباءة بنية، ويعتمر عقالاً مقصَّبًا فوق كوفية حمراء من القطن». وأُدهِش الريحاني ببلاغة السلطان وحدة ذكائه وكتب: «له عينان عسليتان تنيران أماكن العطف واللطف ساعة الرضا.. وتضرمان في كلامه ساعة الغيظ نار الغضى.. وله فم هو كورق الورد في الحالة الأولى.. وفي الحالة الثانية كالحديد يتقلص فيشتَّد.. فهو إذ ذاك كالنصل حدًا ومضاء». أمضى الأمين في نجد ستة أسابيع كان خلالها يلتقي السلطان كل يوم. وتوجه بعدها إلى الكويت ضيفًا على أميرها الشيخ أحمد الجابر الصباح، مشددًا على أهمية الوحدة، ومنها انتقل إلى البحرين ضيفًا على الشيخ أحمد بن عيسى. وتبين له أن البلد غني مثل غيره بالنفط. فكان أول من أشار إلى ثروة الذهب الأسود في الجزيرة، ودعا إلى استثماره في التعليم والتصنيع. بعد الملك عبد العزيز، ذهب ومعه رسالة المصالحة والوحدة إلى زيارة فيصل الأول في العراق. وفي بغداد أقام له الشعراء والأدباء حفلات التكريم. ثم قام بزيارة كربلاء والنجف. وبعد رحلة دامت أربعة أشهر عاد إلى لبنان الذي كان قد غادره قبل 11 عامًا. وهنا جلس يكتب الفصول الأولى من «ملوك العرب» ويراسل المجلات الأميركية بانطباعاته عن الرحلة الطويلة. في عام 1926 راح يستعد لزيارة جديدة إلى الملك عبد العزيز، لكنه ذهب قبل ذلك يتوسط بين الحاج أمين الحسيني وحلفائه ويحاضر في مخاطر الصهيونية. إلى اللقاء جريدة الشرق الأوسط