قبل عام حلّ الرئيس الصيني شي جين بينغ ضيفاً على فيدل كاسترو عقل الثورة الشيوعية الكوبية، يومها اصطحب الزعيم الكوبي زائره الصيني إلى فناء منزله ومزرعته التي نمت فيها بذور شجرة الحياة ال "مورينغا أوليفيرا" والتوت، المهداة من الصين قبل سنوات، وغدت أشجاراً وارفة. ليقول الرئيس شي: "نتمنى أن تنمو وتزدهر هذه الشجرة وتصبح رمزاً جديداً للصداقة بين الصين وكوبا". بالأمس رُفع العلم الكوبي في قلب واشنطن العاصمة الأميركية بعد خمسة عقود من القطيعة، لتخرج كوبا من محور الشر وتلتحق بإيران، فهذا عام الرضا الأميركي وموسم صيد الحملان. يخالط بكين تجاه هذا التطور مشاعر يغلب عليها الارتياب المشوب بالتفاؤل وحسن الظن، فهافانا إحدى العواصم الشيوعية المتبقية منذ انهيار المنظومة الشيوعية العملاقة المتمثلة في الاتحاد السوفييتي.. ولا شك أن التحول الذي طرأ على العلاقات الأميركية - الكوبية سيفتح نافذة كبيرة لتهب رياح التغيير على السياسة والاقتصاد الكوبي المترنّح تحت وطأة عقوبات أرهقت المجتمع الكوبي، وقفت معها مظاهر الحياة العامة عند ستينيات القرن الماضي. وتأمل واشنطن أن تبلغ الشركات الأميركية حداً تستطيع من خلاله التمدد لتستولي على استثمارات هذه الدولة المجاورة، إلا أن بكين لن تقف موقف المتفرج. فالصين قد أرست دعائم اقتصادية في كوبا منذ وقت مبكر فقدمت مساعدات وقروضاً بدون فوائد، وساهمت في تطوير البنية التحتية، وأصبحت أكبر شريك استثماري، تلك المعطيات تمنح أولوية لبكين من أجل تطوير أنشتطها التجارية بمرونة أكبر، ووتيرة أكثر سرعة من ذي قبل، لكن واشنطن لن يعجبها أن تتحول حديقتها الخلفية لباحة صينية، وأن تؤول فوائد الانفتاح إلى حضن "الباندا"، فتتحول كوبا من دولة معزولة تحت السيطرة إلى صين أخرى على حدودها. ولا شك أن واشنطن - وهي توقع على وثيقة الانفتاح مع كوبا - لا تريد أن تكرر تجربة الصين عندما أنهى نيكسون ودينغ سياو بينغ القطيعة بين البلدين لتصبح الصين دولة تهدد أميركا اقتصادياً وعسكرياً وتقف حجر عثرة في طريقها بعد أن ظنت واشنطن أن بكين ستدور في فلكها.. ستعمل الولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة على الاستفادة من الطبقة السياسية ذات الخلفية الكوبية، والتي ترعرعت في البر الأميركي خلال فترات سابقة، إذ استطاع العديد من الكوبيين - الأميركيين بلوغ مناصب عليا فأصبحوا أعضاء في الكونغرس مثل سيناتور ولاية فلوريدا الحالي ماركو روبيرو، وكذلك بوب مانديز عن ولاية نيوجيرسي، وتيد كروز عن ولاية تكساس وغيرهم من النخب الأميركية من أساتذة الجامعات ورجال الأعمال الذين سيكون لهم دور بلا شك في المرحلة المقبلة على مستوى العلاقات الأميركية - الكوبية. في ذات الوقت ستقوم الصين بتحصين النظام الشيوعي الكوبي وحمايته وتجيير المنجز الحالي للطبقة السياسية الكوبية التي دافعت عن الدولة واستطاعت تحمّل العقوبات وأدارت الأزمة المزمنة باقتدار.. وربما من شأن الصين أن تدرك بأن رموز النظام الكوبي هم شخصيات هرِمة في السن؛ فكاسترو رجل في التسعين من عمره، وأخوه رئيس الدولة في الثالثة والثمانين، وبالتالي من المهم أن تعرف الصين ما مصير النظام الكوبي في المدى الاستراتيجي. الأيام المقبلة حبلى ولن تكون برداً وسلاماً على كوبا؛ بل ستشهد هذه الدولة - التي لطالما كانت مثار جدل بين الدول الكبرى - استقطاباً حاداً تتنازعها فيه الصين والولايات المتحدة.