بين مفاجآت السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير قوله: «الآن، لدينا حضور متواضع في المرحلة الأولى، المرحلة الحساسة، في العراق. وأقول تعالوا لنذهب إلى العراق»، وذلك عطفاً على ندائه الموجّه ضمناً إلى «تيار المستقبل» اللبناني: تعالوا لنذهب معاً إلى سورية. ولما كان كثيراً الاعتراض على تدخُّل «حزب الله» عسكرياً في سورية، لكونه سبباً لمزيد من الانقسام اللبناني ولتعرض الوطن الصغير إلى غضب المعارضين السوريين الذي قد يُترجَم عنفاً حين تتاح له الفرصة، فإن الاعتراض يمتد اليوم الى تدخّل «حزب الله» «المتواضع» في العراق لأنه سيجلب بالضرورة غضب قطاع عريض من الشعب العراقي. بدا السيد نصرالله منسجماً مع نفسه ونهجه في الخطاب، لكنه حين وصل الى تصوير حزبه، ومعه لبنان، كقوة إقليمية، بل دولية في المنطقة، أحدث قلقاً لدى اللبنانيين، أولئك الذين تقبلوا المقاومة وفرحوا بتحريرها الأرض من المحتل الإسرائيلي. هؤلاء لا يستطيعون تقبّل أدوار للحزب، وبالتالي للبنان تتعدى تحرير أراضٍ لبنانية، ويرون أن السوريين أولى بشؤون بلدهم نظاماً ومعارضة، فيما للعراقيين مشاكلهم البعيدة عن اهتمامات لبنان، إلا إذا استثنينا النزعة المذهبية المتفاقمة بعد الاحتلال الأميركي والتي تتحمل المسؤولية الأكبر فيها أحزاب إسلامية شيعية أفلت مناصروها من عقلهم بحيث اضطروا المرجع الشيعي السيد علي السيستاني غير مرة إلى إدانة أفعالهم والدعوة الى التراحم بين أهل العراق بمختلف أقوامهم وأديانهم وطوائفهم. وما لا يمكن إدراكه بسهولة هو سبب تدخُّل «حزب الله» «المتواضع» في العراق، حيث يتقاطع الوجودان الأميركي والإيراني ويتعايشان عسكرياً، الأول يقصف من الجو والثاني يحارب على الأرض، وحيث عجزت النخب الحاكمة الشيعية والسنّية التي نصّبها الاحتلال الأميركي عن تشكيل جيش بديل لجيش صدام حسين. وتلك النخب، ممثلة خصوصاً بنوري المالكي، تتحمل مسؤولية سقوط الموصل وتسونامي «داعش» الذي يجتاح مشرق العالم العربي ومغربه. لا المستشارون الأميركيون ولا الحاضنون الإيرانيون استطاعوا دفع النخب العراقية الحاكمة الى وعي «دولَتِيّ» وممارسة في الحكم بعيدة من العصبية العمياء ونهب المال العام (هل يعجزون حقاً أم أن الأمر يناسبهم؟). صار العراق شبه دولة، وصورته هذه تناسب أحزاب الإسلام السياسي التي تهدم الدولة الحديثة ولا تبني بديلاً. أحزاب تعادي أساساً فكرة الدولة وترى المواطنين مجرد رعايا تحت عباءة هذا الزعيم أو ذاك، وتشترط للزعامة دراسة العلوم الدينية والعداء للتعليم الحديث. قد يقول قائل إن العراق مفتوح للجميع، وإن وجود «حزب الله» «المتواضع» هناك لن يغيّر في المعادلة شيئاً. لكنّ المواطن اللبناني محق في قلقه عندما يشاهد امتداداً عسكرياً لحزب لبناني بين شاطئ المتوسط وحدود الراعي الإيراني لهذا الحزب. ويعي اللبناني أن العراق محرقة لمن يدخله، سواء كان «داعش» أو «حزب الله» أو الجيش الأميركي. وتتأكد المحرقة حين يستعرض المراقب أسماء الأحزاب العاملة في العراق اليوم فيجدها جميعها تتكنّى بالإسلام السياسي، شيعياً أو سنّياً، وبينها «حزب الله» العراقي الشقيق. وحيث الإسلام السياسي لا دولة ولا مواطنون، بل رعايا صاغرون وثروات للنهب بلا مساءلة. أما الحرب السنّية- الشيعية الحقيقية فهي مؤجلة في انتظار حرب بين الصديقتين اللدودتين إيران وتركيا... ليتها تبقى مؤجلة. *نقلاً عن جريدة "الحياة" اللندنية